للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : قلت: فهذا الرجل قد خالف الشّرع في تعرّضه للسّباع، ولا يحلّ لأحد أن يتعرّض لسبع أو لحيّة، بل يجب عليه أن يفرّ ممّا يؤذيه أو يهلكه.

وفي الصّحيحين أنّ النّبيّ قال: «إذا وقع الطّاعون وأنتم بأرض، فلا تقدموا عليه» (١).

وقال : «فرّ من المجذوم فرارك من الأسد» (٢).

ومرّ بحائط مائل فأسرع (٣).

وهذا الرّجل قد أراد من طبعه ألا ينزعج، وهذا شيء ما سلم منه موسى فإنّه لمّا رأى الحيّة خاف وولّى مدبرا، فإن صحّ ما ذكره - وهو بعيد الصّحّة - لأنّ طباع الآدميّين تتساوى؛ فمن قال: لا أخاف السّبع بطبعي. كذّبناه، كما لو قال: أنا لا أشتهي النّظر إلى المستحسن.

وكأنّه قهر نفسه حتّى نام بينهم، استسلاما للهلاك؛ لظنّه أنّ هذا من التّوكّل، وهذا خطأ؛ لأنّه لو كان هو التّوكّل ما نهى عن مقاربة ما يخاف شرّه، ولعلّ السّباع اشتغلت عنه، وشبعت من الجمل، والسّبع إذا شبع لا يفترس.

ولقد كان أبو تراب النّخشبيّ من كبار القوم، فلقيته السّباع البرّيّة، فنهشته فمات.

ثمّ لا ينكر أن يكون الله تعالى لطف به ونجّاه بحسن ظنّه فيه، غير أنّا نبيّن خطأ فعله للعامّيّ الّذي إذا سمع هذه الحكاية، ظنّ أنّها عزيمة عظيمة ويقين قويّ، وربّما فضّل حالته على حالة موسى إذ هرب من الحيّة، وعلى حالة نبيّنا إذ مرّ بجدار مائل فهرول،


(١) أخرجه البخاري (٥٧٢٨)، ومسلم (٢٢١٨) من حديث أسامة بن زيد .
(٢) أخرجه البخاري (٥٧٠٧) - تعليقا - وأحمد (٩٤٢٩) من حديث أبي هريرة وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (٧٥٣٠).
(٣) أخرجه أحمد (٨٤٥٢) من حديث أبي هريرة .

<<  <   >  >>