لا. بل هذا آكد؛ لأنّ الفعل آكد من القول، فهلا سكت حتّى يحمل بلا سبب.
فإن قال: هذا بعثه الله لي.
قلنا: والّذي جاز على البئر، من بعثه؟ واللّسان المستغيث من خلقه؟ فإنّه لو استغاب كان مستعملا للأسباب الّتي خلقها الله تعالى، لينتفع بها للدّفع عنه، فلم يستعملها، وإنّما بسكوته عطّل الأسباب التي خلقها الله تعالى له، ودفع الحكمة، فصحّ لومه على ترك السّبب، وأمّا تخليصه بالأسد، فإن صحّ هذا فقد يتّفق مثله، ثمّ لا ينكر أنّ الله تعالى يلطف بعبده، وإنّما ينكر فعله المخالف للشّرع.
أخبرنا أبو منصور القزاز، نا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، ثنا عبد العزيز بن أبي الحسن، قال: سمعت علي بن عبد الله بن جهضم المكّي، يقول: ثنا الخلديّ، قال: قال الجنيد: قال لي محمّد بن السّمين: كنت في طريق الكوفة بقرب الصّحراء الّتي بين قباء والصّخرة التي تفرّقنا منها، والطّريق منقطع، فرأيت على الطّريق جملا قد سقط ومات، عليه سبعة أو ثمانية من السّباع تتناهش لحمه، يحمل بعضها على بعض.
فلمّا أن رأيتهم كأنّ نفسي اضطربت، وكانوا على قارعة الطّريق، فقالت لي نفسي:
تميل يمينا أو شمالا؟ فأبيت عليها إلا أن آخذ على قارعة الطّريق، فحملتها على أن مشيت، حتّى وقفت عليهم بالقرب منهم كأحدهم، ثمّ رجعت إلى نفسي لأنظر كيف هي، فإذا الرّوع معي قائم، فأبيت أن أبرح، وهذه صفتي، فقعدت بينهم، ثمّ نظرت بعد قعودي، فإذا الرّوع معي، فأبيت أن أبرح وهذه صفتي، فوضعت جنبي، فنمت مضطجعا، فتغاشاني النّوم، فنمت وأنا على تلك الهيئة، والسّباع في المكان الّذي كانوا عليه، فمضى بي وقت وأنا نائم، فاستيقظت فإذا السّباع قد تفرّقت، ولم يبق منها شيء، وإذا الّذي كنت أجده قد زال، فقمت وأنا على تلك الهيئة، فانصرفت.