للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحبّني: يا بنيّ، لله فيك إقبال والتفات، حيث جعل حاجتي إليك!

وحكى أنّ جماعة من الصّوفيّة دخلوا على أحمد الغزالي، وعنده أمرد وهو خال به، وبينهما ورد، وهو ينظر إلى الورد تارة، وإلى الأمرد تارة، فلما جلسوا قال بعضهم: لعلّنا كدرنا. فقال: إي والله! فتصايح الجماعة على سبيل التّواجد!

وحكى أبو الحسين بن يوسف: أنّه كتب إليه في رقعة: إنّك تحبّ غلامك التّركيّ، فقرأ الرّقعة، ثمّ استدعى الغلام، فصعّد إليه النّظر، فقبّله بين عينيه، وقال: هذا جواب الرّقعة.

قال المصنّف : قلت: إنّي لا أعجب من فعل هذا الرّجل وإلقائه جلباب الحياء عن وجهه، وإنّما أعجب من البهائم الحاضرين: كيف سكتوا عن الإنكار عليه؟! ولكنّ الشّريعة بردت في قلوب كثير من النّاس.

وأخبرنا: أبو القاسم الحريريّ، أنبأنا أبو الطّيّب الطّبريّ قال: بلغني عن هذه الطّائفة الّتي تسمع السّماع أنّها تضيف إليه النّظر إلى وجه الأمرد، وربّما زيّنته بالحليّ والمصبغات من الثّياب والحواشي، وتزعم أنّها تقصد به الازدياد في الإيمان بالنّظر والاعتبار والاستدلال بالصّنعة على الصّانع، وهذه النّهاية في متابعة الهوى، ومخادعة العقل، ومخالفة العلم، قال الله تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ (٢١) [الذاريات: ٢١]، وقال: ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ (١٧) [الغاشية: ١٧]، وقال: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٨٥]، فعدلوا عمّا أمرهم الله به من الاعتبار إلى ما نهاهم عنه.

وإنّما تفعل هذه الطّائفة ما ذكرناه بعد تناول الألوان الطّيّبة والمآكل الشّهيّة، فإذا استوفت منها نفوسهم طالبتهم بما يتبعها من السّماع والرّقص والاستمتاع بالنّظر إلى وجوه المرد، ولو أنّهم تقلّلوا من الطّعام لم يحنّوا إلى سماع ونظر.

<<  <   >  >>