الكريم المبدئ المعيد، إلّا وقفت، فوقف ساعة، فأقبل يصعد النّظر إليه ويصوّبه، ثمّ ذهب ليمضي، فقال: سألتك بالواحد الأحد، الجبّار الصّمد، الّذي لم يلد ولم يولد، إلّا وقفت، فوقف ساعة، فنظر إليه طويلا، ثمّ ذهب ليمضي، فقال: سألتك باللّطيف الخبير السّميع البصير، وبمن ليس له نظير إلّا وقفت، فوقف، فأقبل ينظر إليه، ثمّ أطرق رأسه إلى الأرض، ومضى الغلام، فرفع رأسه بعد طويل، وهو يبكي، فقال: قد ذكّرني هذا بنظري إليه وجها جلّ عن التّشبيه، وتقدّس عن التّمثيل، وتعاظم عن التّحديد، والله، لأجهدنّ نفسي في بلوغ رضاه بمجاهدتي جميع أعدائه، وموالاتي لأوليائه حتّى أصير إلى ما أردته من نظر إلى وجهه الكريم، وبهائه العظيم، ولوددت أنّه قد أراني وجهه، وحبسني في النّار ما دامت السّماوات والأرض، ثمّ غشي عليه.
وحدّثنا محمّد بن عبد الله الرّازيّ، قال: سمعت خيرا النّساج يقول: كنت مع محارب ابن حسّان الصّوفيّ في مسجد الخيف، ونحن محرمون، فجلس إلينا غلام جميل من أهل المغرب، فرأيت محاربا ينظر إليه نظرا أنكرته، فقلت له بعد أن قام: إنّك محرم في شهر حرام، في بلد حرام، في مشعر حرام، وقد رأيتك تنظر إلى هذا الغلام نظرا لا ينظره إلّا المفتونون، فقال لي: تقول هذا، يا شهوانيّ القلب والطّرف، ألم تعلم أنّه قد منعني من الوقوع في شرك إبليس ثلاث؟ فقلت: وما هي؟ قال: سرّ الإيمان، وعفّة الإسلام، وأعظمها الحياء من الله تعالى أن يطّلع عليّ وأنا جاثم على منكر نهاني عنه، ثمّ صعق حتّى اجتمع النّاس علينا.
قال المصنّف ﵀: قلت: انظروا إلى جهل الأحمق الأوّل، ورمزه إلى التّشبيه، وإن تلفّظ بالتّنزيه، إلى حماقة هذا الثّاني الّذي ظنّ أنّ المعصية هي الفاحشة فقط، وما علم أنّ نفس النّظر بشهوة يحرم، ومحا عن نفسه أثر الطّبع بدعواه الّتي تكذّبها شهوة النّظر.
وقد حدّثني بعض العلماء: أنّ صبيّا أمرد حكى له، قال: قال لي فلان الصّوفيّ، وهو