للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن جمع المال، وأنّ رسول الله نهى أمّته عن جمع المال، فهذا محال، وإنّما النّهي عن سوء القصد بالجمع، أو عن جمعه من حلّه.

وما ذكره من حديث كعب، وأبي ذرّ، فمحال من وضع الجهّال، وخفاء صحّته عنه ألحقه بالقوم، وقد روي بعض هذا، وإن كان طريقه لا يثبت.

وبإسناد عن مالك بن عبد الله الزّياديّ، عن أبي ذرّ أنّه جاء يستأذن على عثمان، فأذن له، وبيده عصاه، فقال عثمان: يا كعب، إنّ عبد الرّحمن توفّي وترك مالا، فما ترى فيه؟ فقال: إن كان يصل فيه حقّ الله تعالى، فلا بأس، فرفع أبو ذرّ عصاه، فضرب كعبا، وقال:

سمعت رسول الله يقول: «ما أحبّ لو أنّ لي هذا الجبل ذهبا أنفقه، ويتقبّل منّي أذر خلفي ستّ أواق»، أنشدك بالله يا عثمان، أسمعت هذا؟ ثلاث مرّات. قال: نعم (١).

قال المصنف: وهذا الحديث لا يثبت، وابن لهيعة: مطعون فيه. قال يحيى: لا يحتجّ بحديثه.

والصّحيح: في التّاريخ أنّ أبا ذرّ توفّي سنة خمس وعشرين، وعبد الرّحمن توفّي سنة اثنتين وثلاثين، فقد عاش بعد أبي ذرّ سبع سنين، ثمّ لفظ ما ذكروه من حديثهم يدلّ على أنّ حديثهم موضوع.

ثمّ كيف تقول الصّحابة : إنّا نخاف على عبد الرّحمن، أو ليس الإجماع منعقدا على إباحة جمع المال من حلّه، فما وجه الخوف مع الإباحة، أو يأذن الشّرع في شيء، ثمّ يعاقب عليه، هذا قلّة فهم وفقه، ثمّ تعلّقه بعبد الرّحمن وحده دليل على أنّه لم يسر سيرة الصّحابة، فإنّه قد خلّف طلحة ثلاث مئة بهار، في كلّ بهار ثلاثة قناطير، والبهار: الحمل، وكان مال الزّبير خمسين ألف ألف، ومئتي ألف، وخلّف بن مسعود تسعين ألفا،


(١) أخرجه أحمد (٤٥٥)، وصحّحه الألبانيّ في «المشكاة» (١٨٢٣).

<<  <   >  >>