للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يندر، ولهذا خيف فتنته.

فأمّا كسب المال، فإنّ من اقتصر على كسب البلغة من حلّها، فذلك أمر لا بدّ منه.

وأمّا من قصد جمعه، والاستكثار منه من الحلال، نظرنا في مقصوده، فإن قصد نفس المفاخرة والمباهاة، فبئس المقصود، وإن قصد إعفاف نفسه، وعائلته، وادّخر لحوادث زمانه وزمانهم، وقصد التّوسعة على الإخوان، وإغناء الفقراء، وفعل المصالح، أثيب على قصده، وكان جمعه بهذه النّيّة أفضل من كثير من الطّاعات.

وقد كان نيّات خلق كثير من الصّحابة أجمعين - في جمع المال سليمة؛ لحسن مقاصدهم لجمعه، فحرصوا عليه، وسألوا زيادته.

وبإسناد عن ابن عمر، أنّ رسول الله أقطع الزّبير حضر فرسه بأرض يقال لها: ثوير، فأجرى فرسه حتّى قام، ثمّ رمى سوطه، فقال: «أعطوه حيث بلغ السّوط» (١)، وكان سعد بن عبادة يدعو فيقول: اللهمّ وسّع عليّ.

قال المصنف: وأبلغ من هذا أنّ يعقوب ، لمّا قال له بنوه:

﴿وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ﴾ [يوسف: ٦٥]، مال إلى هذا، وأرسل ابنه بنيامين معهم، وأنّ شعيبا طمع في زيادة ما يناله، فقال: ﴿فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ﴾ [القصص: ٢٧].

وأنّ أيّوب لمّا عوفي، نثر عليه رجل جراد من ذهب، فأخذ يحثو في ثوبه يستكثر منه، فقيل له: «أما شبعت؟ قال: يا ربّ، من يشبع من فضلك» (٢)، وهذا أمر مركوز في الطّباع، فإذا قصد به الخير، كان خيرا محضا.

وأمّا كلام المحاسبيّ، فخطأ يدلّ على الجهل بالعلم، وقوله: إنّ الله ﷿ نهى عباده


(١) أخرجه أبو داود (٣٠٧٢)، وضعفه الألبانيّ في «ضعيف أبي داود» (٦٧٣).
(٢) أخرجه البخاري (٣٣٩١) بنحوه من حديث أبي هريرة .

<<  <   >  >>