قال: فخرج من عنده، وازداد محمّد بن مقاتل مرضا، وبلغ أهل الرّيّ ما جرى بين حاتم وبين ابن مقاتل، فقالوا لحاتم: إنّ محمّد بن عبيد الطنافسي بقزوين أكثر شيئا من هذا.
فصار إليه، فدخل عليه وعنده الخلق يحدّثهم، فقال له: رحمك الله، أنا رجل أعجميّ، جئتك لتعلّمني مبدأ ديني، ومفتاح صلاتي، كيف أتوضّأ للصّلاة؟
فقال: نعم وكرامة، يا غلام، إناء فيه ماء.
فجاءه بإناء فيه ماء، فقعد محمّد بن عبيد، فتوضّأ ثلاثا، ثمّ قال له: هكذا فتوضّأ. قال حاتم: مكانك رحمك الله حتّى أتوضّأ بين يديك؛ ليكون أوكد لما أريد.
فقام الطنافسيّ، وقعد حاتم مكانه، فتوضّأ وغسل وجهه ثلاثا، حتّى إذا بلغ الذّراع غسل أربعا، فقال الطنافسيّ: أسرفت.
قال حاتم: فبماذا أسرفت؟ قال: غسلت ذراعك أربعا. قال: يا سبحان الله! أنا في كفّ ماء أسرفت، وأنت في جميع هذا الّذي أراه كلّه لم تسرف؟
فعلم الطنافسيّ أنّه أراده بذلك، فدخل البيت، ولم يخرج إلى النّاس أربعين يوما، وخرج حاتم إلى الحجاز، فلمّا صار إلى المدينة أحبّ أن يخصم علماء المدينة، فلمّا دخل المدينة قال: يا قوم، أيّ مدينة هذه؟ قالوا: مدينة الرّسول ﷺ. قال: فأين قصر رسول الله ﷺ حتّى أذهب إليه فأصلّي فيه ركعتين؟ قالوا: ما كان لرسول الله ﷺ قصر، إنّما كان له بيت لاطئ. قال: فأين قصور أهله، وأصحابه، وأزواجه؟
قالوا: ما كان لهم قصور، إنّما كان لهم بيوت لاطئة.
فقال حاتم: فهذه مدينة فرعون. قال: فسبّوه، وذهبوا به إلى الوالي، وقالوا: هذا العجميّ يقول: هذه مدينة فرعون. فقال الوالي: لم قلت ذلك؟ قال حاتم: لا تعجل عليّ