ابن سيرين يضحك بالنّهار، ويبكي باللّيل، وكان في ذيل أيّوب السختيانيّ بعض الطّول، وكان ابن أدهم إذا مرض، يرى عنده ما يأكله الأصحّاء.
وبالإسناد عن عبد الله بن المبارك، عن بكّار بن عبد الله، أنّه سمع وهب بن منبه يقول:
كان رجل من أفضل أهل زمانه، وكان يزار فيعظهم، فاجتمعوا إليه ذات يوم، فقال: إنّا قد خرجنا من الدّنيا، وفارقنا الأهل والأموال مخافة الطّغيان، وقد خفت أن يكون قد دخل علينا في هذه حالة من الطّغيان، أكثر ممّا يدخل على أهل الأموال في أموالهم، أرانا يحبّ أحدنا أن تقضى له حاجته، وإن اشترى بيعا أن يقارب لمكان دينه، وإن لقي حيّي ووقّر لمكان دينه.
فشاع ذلك الكلام حتّى بلغ الملك، فعجب به، فركب إليه ليسلّم عليه، وينظر إليه، فلمّا رآه الرّجل قيل له: هذا الملك قد أتاك ليسلّم عليك.
فقال: وما يصنع؟ قال: للكلام الّذي وعظت به، فسأل غلامه: هل عندك طعام؟ فقال:
شيء من ثمر الشّجر ممّا كنت تفطر به.
فأمر به، فأتى على مسح، فوضع بين يديه، فأخذ يأكل منه، وكان يصوم النّهار ولا يفطر، فوقف عليه الملك، فسلّم عليه، فأجابه بإجابة خفيّة، وأقبل على طعامه يأكله، فقال الملك: أين الرّجل؟ فقيل له: هو هذا.
قال: هذا الّذي يأكل؟ قالوا: نعم. قال: فما عند هذا من خير فأدبر. فقال الرّجل:
الحمد لله الّذي صرفك عنّي بما صرفك به.
وفي رواية أخرى عن وهب، أنّه لمّا أقبل الملك، قدّم الرّجل طعامه، فجعل يجمع البقول في اللّقمة الكبيرة، ويغمسها في الزّيت، فيأكل أكلا عنيفا، فقال له الملك: كيف أنت يا فلان؟ فقال: كالنّاس.