فردّ الملك عنان دابّته، وقال: ما في هذا من خير. فقال: الحمد لله الّذي أذهبه عنّي وهو لائم لي.
وبإسناد عن عطاء، قال: أراد الوليد بن عبد الملك، أن يولّي يزيد بن مرثد، فبلغ ذلك يزيد، فلبس فروة، فجعل الجلد على ظهره، والصّوف خارجا، وأخذ بيده رغيفا وعرقا، وخرج بلا رداء، ولا قلنسوة، ولا نعل، ولا خفّ، فجعل يمشي في الأسواق ويأكل، فقيل للوليد: إنّ يزيد قد اختلط. وأخبر بما فعل، فتركه، ومثل هذا كثير.
ومن الزّهّاد من يستعمل الزّهد ظاهرا وباطنا، لكنّه قد علم أنّه لا بدّ أن يتحدّث بتركه للدّنيا أصحابه، أو زوجته، فيهون عليه الصّبر كما هان على الرّاهب الّذي ذكرنا قصّته مع إبراهيم بن أدهم، ولو أنّه أراد الإخلاص في زهده لأكل مع أهله قدر ما ينمحي به جاه النّفس، ويقطع الحديث عنه، فقد كان داود ابن أبي هند، صام عشرين سنة، ولم يعلم به أهله، كان يأخذ غذاءه، ويخرج إلى السّوق، فيتصدّق به في الطّريق، فأهل السّوق يظنّون أنّه قد أكل في البيت، وأهل البيت يظنّون أنّه قد أكل في السّوق، هكذا كان النّاس.
ومن المتزهدين: من قوته الانقطاع في مسجد، أو رباط، أو جبل، فلذّته علم النّاس بانفراده، وربّما احتجّ لانقطاعه، بأنّي أخاف أن أرى في خروجي المنكرات.
وله في ذلك مقاصد: منها الكبر، واحتقار النّاس.
ومنها: أنّه يخاف أن يقصّروا في خدمته.
ومنها: حفظ ناموسه ورياسته، فإنّ مخالطة النّاس تذهب ذلك، وهو يريد أن يبقى إطراؤه وذكره.
وربّما كان مقصوده ستر عيوبه، ومقابحه، وجهله بالعلم، فيرى هذا، ويجب أن يزار ولا يزور، ويفرح بمجيء الأمراء إليه، واجتماع العوامّ على بابه، وتقبيلهم يده، فهو يترك