قلت لهم: أمّا قولكم: حكّم الرّجال في أمر الله، أنا أقرأ عليكم في كتاب الله ما ينقض هذا، فإذا نقض قولكم، أترجعون؟ قالوا: نعم. قلت: فإنّ الله قد صيّر من حكمه إلى الرّجال في ربع درهم ثمن أرنب، وتلا هذه الآية: ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ٩٥]. إلى آخر الآية، وفي المرأة وزوجها: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها﴾ [النساء: ٣٥]. إلى آخر الآية، فنشدتكم بالله: هل تعلمون حكم الرّجال في إصلاح ذات بينهم، وفي حقن دمائهم أفضل أم حكمهم في أرنب وبضع امرأة، فأيّهما ترون أفضل؟ قالوا: بل هذه. قلت: خرجت من هذه؟ قالوا: نعم.
قلت: وأمّا قولكم: قاتل، ولم يسب، ولم يغنم، فتسبون أمّكم عائشة - رضي الله تعالى عنها؟ فوالله، لئن قلتم: ليست بأمّنا، لقد خرجتم من الإسلام، ووالله، لئن قلتم لنسبينّها، ونستحلّ منها ما نستحلّ من غيرها، لقد خرجتم من الإسلام، فأنتم بين ضلالتين؛ لأنّ الله ﷿ قال: ﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: ٦]. أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.
قلت: وأمّا قولكم: محا عن نفسه أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بمن ترضون، إنّ النّبيّ ﷺ يوم الحديبية صالح المشركين (أبا سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو)، فقال لعليّ ﵁:
اكتب لهم كتابا، فكتب لهم عليّ: هذا ما اصطلح عليه محمّد رسول الله، فقال المشركون:
والله، ما نعلم أنّك رسول الله، لو نعلم أنّك رسول الله، ما قاتلناك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم:«اللهم إنّك تعلم أنّي رسول الله، امح يا عليّ، اكتب: هذا ما اصطلح عليه محمّد بن عبد الله»(١)، فو الله لرسول الله خير من عليّ، وقد محا نفسه. قال:
(١) أخرجه البخاري (٢٦٩٨)، ومسلم (١٧٨٣) من حديث البراء بن عازب ﵁.