حسن الخلق، لا أؤذي أحدا، فأذن لي فلبست حلّة من أحسن ما يكون من اليمن، وترجّلت، فدخلت عليهم نصف النّهار، فدخلت على قوم لم أر قطّ أشدّ منهم اجتهادا، جباههم قرحة من السّجود، وأياديهم كأنّها ثفن الإبل، وعليهم قمص مرحّضة، مشمّرين، مسهّمة وجوههم من السّهر، فسلّمت عليهم، فقالوا: مرحبا بابن عبّاس، ما جاء بك؟ فقلت:
أتيتكم من عند المهاجرين والأنصار، ومن عند صهر رسول الله ﷺ، وعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بتأويله منكم.
فقالت طائفة منهم: لا تخاصموا قريشا، فإنّ الله ﷿ يقول: ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ (٥٨)[الزخرف: ٥٨]، فقال اثنان أو ثلاثة: لنكلّمنّه. فقلت: هاتوا ما نقمتم على صهر رسول الله ﷺ، والمهاجرين والأنصار، وعليهم نزل القرآن، وليس فيكم منهم أحد، وهم أعلم بتأويله.
قالوا: ثلاثة.
قلت: هاتوا.
قالوا: أمّا إحداهنّ؛ فإنّه حكّم الرّجال في أمر الله، وقد قال ﷿: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ﴾ [الأنعام: ٥٧]، فما شأن الرّجال والحكم بعد قول الله ﷿؟
فقلت: هذه واحدة، وماذا؟
قالوا: وأمّا الثّانية: فإنّه قاتل وقتل ولم يسب، ولم يغنم، فلئن كانوا مؤمنين، فلم حلّ لنا قتالهم وقتلهم، ولم يحلّ لنا سبيهم؟
قلت: وما الثّالثة؟
قالوا: فإنّه محا عن نفسه أمير المؤمنين، فإنّه إن لم يكن أمير المؤمنين، فإنّه لأمير الكافرين.