قال: فزاده أبوه غيّا، وكتب إليه: يا بنيّ أقبل على ما أمرت به، إنّ الله يقول: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ﴾ (٢٢٢)[الشعراء: ٢٢٢، ٢٢١]، ولست بأفّاك، ولا أثيم، فامض لما أمرت به.
وكان يجيء إلى أهل المسجد رجلا رجلا، فيذكر له أمره، ويأخذ عليهم العهود والمواثيق، إن هو رأى ما يرضي قبل، وإلّا كتم عليه، وكان يريهم الأعاجيب، كان يأتي إلى رخامة في المسجد فينقرها بيده فتسبّح، وكان يطعمهم فاكهة الصّيف في الشّتاء، ويقول:
اخرجوا حتّى أريكم الملائكة، فيخرجهم إلى دير المرّان، فيريهم رجالا على خير، فتبعه بشر كثير، وفشا الأمر، وكثر أصحابه، حتّى وصل خبره إلى القاسم بن مخيمرة، فقال له:
إنّي نبيّ. فقال له القاسم: كذبت يا عدوّ الله. فقال له أبو إدريس: بئس ما صنعت، إذ لم تلن له حتّى تأخذه، الآن يفرّ. وقام من مجلسه حتّى دخل على عبد الملك، فأعلمه بأمره، فبعث عبد الملك في طلبه، فلم يقدر عليه.
وخرج عبد الملك حتّى نزل الصّنيبرة، فاتّهم عامّة عسكره بالحارث أن يكونوا يرون رأيه.
وخرج الحارث حتّى أتى بيت المقدس واختفى، وكان أصحابه يخرجون يلتمسون الرّجال يدخلونهم عليه، وكان رجل من أهل البصرة قد أتى بيت المقدس، فأدخل على الحارث، فأخذ في التّحميد، وأخبره بأمره، وأنّه نبيّ مبعوث مرسل، فقال: إنّ كلامك لحسن، ولكن لي في هذا نظر. قال: فانظر. فخرج البصريّ، ثمّ عاد إليه فردّ عليه كلامه، فقال: إنّ كلامك لحسن، وقد وقع في قلبي، وقد آمنت بك، وهذا هو الدّين المستقيم، فأمر ألا يحجب عنه متى أراد الدّخول.
فأقبل البصريّ يتردّد إليه، ويعرف مداخله ومخارجه، وأين يهرب، حتّى صار من