للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الطّعام، أخرجه إلى هذه الأحوال والأفعال.

وبإسناد عن أبي عبد الله الرازي، قال: كساني رجل صوفا، فرأيت على رأس الشّبليّ قلنسوة تليق بذلك الصّوف، فتمنّيتها في نفسي، فلمّا قام الشّبليّ من مجلسه التفت إليّ، فتبعته، وكان عادته إذا أراد أن أتبعه يلتفت إليّ، فلمّا دخل داره قال: انزع الصّوف. فنزعته، فلفّه وطرح القلنسوة عليه، ودعا بنار فأحرقهما.

قلت: وقد حكى أبو حامد الغزاليّ أنّ الشّبليّ أخذ خمسين دينارا، فرماها في دجلة، وقال: ما أعزّك أحد إلّا أذلّة الله. وأنا أتعجّب من أبي حامد أكثر من تعجّبي من الشّبليّ؛ لأنّه ذكر ذلك على وجه المدح، لا على وجه الإنكار، فأين أثر الفقه؟

وبإسناد عن حسين بن عبد الله القزويني قال: حدّثني من كان مجالسا لبنان أنّه قال:

تعذّر عليّ قوتي يوما، ولحقني ضرورة، فرأيت قطعة ذهب مطروحة في الطّريق، فأردت أخذها، فقلت: لقطة. فتركتها، ثمّ ذكرت الحديث الّذي يروى: «لو أنّ الدّنيا كانت دما عبيطا، لكان قوت المسلم منها حلالا» (١). فأخذتها، وتركتها في فمي ومشيت غير بعيد، فإذا أنا بحلقة فيها صبيان، وأحدهم يتكلّم عليهم، فقال له واحد: متى يجد العبد حقيقة الصّدق؟ فقال: إذا رمى القطعة من الشّدق. فأخرجتها من فمي ورميتها.

قال المصنف : لا تختلف الفقهاء أنّ رميه إيّاها لا يجوز، والعجب أنّه رماها بقول صبيّ لا يدري ما قال.

وقد حكى أبو حامد الغزاليّ أنّ شقيقا البلخيّ جاء إلى أبي القاسم الزّاهد، وفي طرف كسائه شيء مصرور، فقال: أيّ شيء معك؟ قال: لوزات دفعها إليّ أخ لي وقال: أحبّ أن تفطر عليها. فقال: يا شقيق، وأنت تحدّث نفسك أن تبقى إلى اللّيل، لا


(١) ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (٢١٠٨)، والشوكاني في «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» (ص ١٤٦).

<<  <   >  >>