ثمّ ما الّذي يريده غير الذّكر، ولقد خرج عن الشّريعة، بخروجه إلى السّبع ومشيه على القصب المقطوع؟
وهل يجوز في الشّرع أن يلقي الإنسان نفسه إلى سبع؟
أترى أراد منها أن يغيّر ما طبعت عليه من خوف السّبع؟ فليس هذا في طوقها، ولا طلبه الشّرع منها.
ولقد سمع هذا الرّجل بعض أصحابه يقول مثل هذا القول، فأجابه بأجود جواب.
أخبرنا محمّد بن عبد الله بن حبيب، نا علي بن أبي صادق، نا ابن باكويه، نا أبو يعقوب الخراط، نا أبو أحمد المغازلي، قال: رأيت النّوريّ، وقد جعل نفسه إلى أسفل ورجليه إلى فوق، وهو يقول: من الخلق أوحشتني، ومن النّفس والمال والدّنيا أفقرتني. ويقول: ما معك إلّا علم وذكر.
قال: فقلت له: إن رضيت، وإلّا فانطح برأسك الحائط.
أخبرنا محمّد بن أبي القاسم، أنبأنا الحسن بن محمّد بن الفضل الكرماني، نا سهل بن علي الخشاب، نا عبد الله بن علي السراج قال: سمعت أبا عمرو بن علوان يقول: حمل أبو الحسين النّوريّ ثلاث مئة دينار، ثمن عقار بيع له، وجلس على قنطرة، وجعل يرمي واحدا واحدا منها إلى الماء ويقول: جئت تريدين أن تخدعيني منك بمثل هذا.
قال السراج: فقال بعض النّاس: لو أنفقها في سبيل الله كان خيرا له.
فقلت: إن كانت تلك الدّنانير تشغله عن الله طرفة عين، كان الواجب أن يرميها في الماء دفعة واحدة؛ حتّى يكون أسرع لخلاصه من فتنتها، كما قال الله ﷿: ﴿فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ﴾ (٣٣)[ص: ٣٣].
قلت: لقد أبان هؤلاء القوم عن جهل بالشّرع، وعدم عقل، وقد بيّنّا فيما تقدّم أنّ الشّرع