قطعة لحم، فأحبّ أن يحمله إلى البيت، فاستحيا من أهل السّوق، فعلق اللّحم في عنقه، وحمله إلى بيته.
قلت: وا عجبا من قوم طالبوا أنفسهم بمحو أثر الطّبع، وذلك أمر لا يمكن، ولا هو مراد الشّرع، وقد ركز في الطّباع أنّ الإنسان لا يحبّ أن يرى إلّا متجمّلا في ثيابه، وأنّه يستحيي من العري وكشف الرّأس، والشّرع لا ينكر عليه هذا.
وما فعله هذا الرّجل من الإهانة لنفسه بين الناس، أمر قبيح في الشّرع والعقل؛ فهو إسقاط مروءة لا رياضة، كما لو حمل نعليه على رأسه.
وقد جاء في الحديث:«الأكل في السّوق دناءة»(١)، فإنّ الله قد أكرم الآدميّ، وجعل لكثير من النّاس من يخدمه، فليس من الدّين إذلال الرّجل نفسه بين الناس.
وقد تسمّى قوم من الصّوفيّة بالملامتيّة، فاقتحموا الذّنوب فقالوا: مقصودنا أن نسقط من أعين الناس، فنسلم من آفات الجاه والمرائين.
وهؤلاء مثلهم كمثل رجل زنى بامرأة فأحبلها، فقيل له: لم لم تعزل؟ فقال: بلغني أنّ العزل مكروه. فقيل له: وما بلغك أنّ الزّنا حرام؟! وهؤلاء الجهلة قد أسقطوا جاههم عند الله سبحانه، ونسوا أنّ المسلمين شهداء الله في الأرض.
أخبرنا ابن حبيب، نا ابن أبي صادق، نا ابن باكويه، قال: سمعت أبا أحمد الصغير، سمعت أبا عبد الله بن خفيف، سمعت أبا الحسن المدينيّ يقول: خرجت مرّة من بغداد إلى نهر الناشريّة، وكان في إحدى قرى ذلك النّهر رجل يميل إلى أصحابنا، فبينا أنا أمشي على شاطئ النّهر، رأيت مرقّعة مطروحة ونعلا وخريقة، فجمعتهما.
(١) أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (٨/ ٢٤٩) من حديث أبي أمامة ﵁ وضعفه الألباني في «ضعيف الجامع» (٢٢٩٠).