وأخذوا مضاجعهم، جاءهم الشّيطان في النّوم على صورة رجل مسافر، فبدأ بأكبرهم، فسأله عن أختهم، فأخبره بقول العابد، وموتها، وترحّمه عليها، وكيف أراهم موضع قبرها، فكذّبه الشّيطان.
وقال: لم يصدقكم أمر أختكم، إنّه قد أحبل أختكم، وولدت منه غلاما، فذبحه، وذبحها معه، فزعا منكم، وألقاها في حفيرة احتفرها خلف باب البيت الّذي كانت فيه عن يمين من دخله، فانطلقوا، فادخلوا البيت الّذي كانت فيه عن يمين من دخله، فإنّكم ستجدونهما كما أخبرتكم هناك جميعا.
وأتى الأوسط في منامه، فقال له مثل ذلك، ثمّ أتى أصغرهم، فقال له مثل ذلك، فلمّا استيقظ القوم، أصبحوا متعجّبين ممّا رأى كلّ واحد منهم، فأقبل بعضهم على بعض، يقول كلّ واحد منهم: لقد رأيت اللّيلة عجبا، فأخبر بعضهم بعضا بما رأى.
فقال كبيرهم: هذا حلم ليس بشيء، فامضوا بنا، ودعوا هذا عنكم.
قال أصغرهم: والله، لا أمضي حتّى آتي إلى هذا المكان، فأنظر فيه.
قال: فانطلقوا جميعا، حتّى أتوا البيت الّذي كانت فيه أختهم، ففتحوا الباب، وبحثوا الموضع الّذي وصف لهم في منامهم، فوجدوا أختهم وابنها مذبوحين في الحفير، كما قيل لهم، فسألوا عنها العابد؟ فصدّق قول إبليس فيما صنع بهما، فاستعدوا عليه كلّهم، فأنزل من صومعته، وقدّم ليصلب، فلمّا أوثقوه على الخشبة، أتاه الشّيطان، فقال له: قد علمت أنّي أنا صاحبك الّذي فتنتك بالمرأة حتّى أحبلتها وذبحتها وابنها، فإن أنت أطعتني اليوم، وكفرت بالله الّذي خلقك وصوّرك، خلّصتك ممّا أنت فيه.
قال: فكفر العابد، فلمّا كفر بالله تعالى، خلّى الشّيطان بينه وبين أصحابه، فصلبوه، قال: ففيه نزلت هذه: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اُكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ﴾