وعلى هذا المذهب فقد رأيت الفضلاء من علماء الأمصار؛ فإنّهم ما سلكوا هذه الطّريق، وإنّما تشاغلوا بالعلم أوّلا.
وعلى ما قد رتب أبو حامد تخلو النّفس بوساوسها وخيالاتها، ولا يكون عندها من العلم ما يطرد ذلك، فيلعب بها إبليس أيّ ملعب، فيريها الوسوسة محادثة ومناجاة.
ولا ننكر أنّه إذا طهر القلب انصبّت عليه أنوار الهدى، فينظر بنور الله، إلّا أنّه ينبغي أن يكون تطهيره بمقتضى العلم، لا بما ينافيه؛ فإنّ الجوع الشّديد، والسّهر، وتضييع الزّمان في التّخيّلات، أمور ينهى الشّرع عنها، فلا يستفاد من صاحب الشّرع شيء ينسب إلى ما نهى عنه، كما لا تستباح الرّخص في سفر قد نهى عنه.
ثمّ لا تنافي بين العلم والرّياضة، بل العلم يعلّم كيفيّة الرّياضة، ويعين على تصحيحها، وإنّما تلاعب الشّيطان بأقوام أبعدوا العلم، وأقبلوا على الرياضة بما ينهى عنه العلم، والعلم بعيد عنهم، فتارة يفعلون الفعل المنهيّ عنه، وتارة يؤثرون ما غيره أولى منه، وإنّما كان يفتي في هذه الحوادث العلم، وقد عزلوه، فنعوذ بالله من الخذلان.
أنبأنا ابن ناصر، عن أبي عليّ بن البنّا قال: كان عندنا بسوق السّلاح رجل كان يقول:
القرآن حجاب، والرّسول حجاب، ليس إلّا عبد وربّ، فافتتن جماعة به، فأهملوا العبادات، واختفى مخافة القتل.
أنبأنا محمّد بن عبد الملك، نا أحمد بن علي بن ثابت، نا أبو الحسن محمّد بن عبيد الله ابن محمّد الجبّائيّ، ثنا أحمد بن سلمان النجاد، ثنا محمّد بن عبد الله بن سليمان، ثنا هشام ابن يونس، ثنا المحاربيّ، عن بكر بن حنش، عن ضرار بن عمرو قال: إنّ قوما تركوا العلم، ومجالسة أهل العلم، واتّخذوا محاريب، فصلّوا وصاموا، حتّى يبس جلد أحدهم على عظمه، وخالفوا السّنّة، فهلكوا، فو الله الّذي لا إله غيره، ما عمل عامل قطّ على جهل، إلّا