للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقلت: إلهي وسيّدي وعزّتك، لا مددت يدي إلى شيء ممّا تنبته الأرض، حتّى تكون الموصّل إليّ رزقي من حيث لا أكون فيه.

فأقمت اثني عشر يوما أصلّي الفرض وأتنفّل، ثمّ عجزت عن النافلة، فأقمت اثني عشر يوما أصلّي الفرض لا غير، ثمّ عجزت عن القيام، فأقمت اثني عشر يوما أصلّي جالسا لا غير، ثمّ عجزت عن الجلوس، فرأيت إن طرحت نفسي ذهب فرضي، فلجأت إلى الله بسرّي.

وقلت: إلهي وسيّدي، افترضت عليّ فرضا تسألني عنه، وقسمت لي رزقا وضمنته لي، فتفضّل عليّ برزقي، ولا تؤاخذني بما عقدته معك، فوعزّتك لأجتهدنّ ألا حللت عقدا عقدته معك.

فإذا بين يديّ قرصان بينهما شيء، فكنت أجده على الدّوام من اللّيل إلى اللّيل، ثمّ طولبت بالمسير إلى الثّغر، فسرت حتّى دخلت الفرما، فوجدت في الجامع قاصّا يذكر قصّة زكريّا والمنشار، وأنّ الله تعالى أوحى إليه حين نشر، فقال: إن صعدت إليّ منك أنّة لأمحونّك من ديوان النّبوّة. فصبر حتّى قطع شطرين، فقلت: لقد كان زكريّا صبّارا، إلهي وسيّدي، لئن ابتليتني لأصبرنّ.

وسرت حتّى دخلت أنطاكية، فرآني بعض إخواني، وعلم أنّي أريد الثّغر، فدفع إليّ سيفا وترسا وحربة، فدخلت الثّغر، وكنت حينئذ أحتشم من الله تعالى أن أتوارى وراء السّور؛ خيفة من العدوّ، فجعلت مقامي في غابة، أكون فيها بالنّهار، وأخرج باللّيل إلى شاطئ البحر، فأغرز الحربة على السّاحل، وأسند التّرس إليها محرابا، وأتقلّد سيفي، وأصلّي إلى الغداة، فإذا صلّيت الصّبح غدوت إلى الغابة، فكنت فيها نهاري أجمع.

فبدوت في بعض الأيّام، فعثرت بشجرة، فاستحسنت ثمرها، ونسيت عقدي مع الله،

<<  <   >  >>