وقد قال أبو حامد: من أحبّ الله وعشقه واشتاق إلى لقائه، فالسّماع في حقّه مؤكّد؛ لعشقه.
قال المصنف ﵀: قلت: وهذا قبيح أن يقال عن الله ﷿ يعشق، وقد بيّنّا فيما تقدّم خطأ هذا القول، ثمّ أيّ توكيد لعشقه في قول المغنّي:
ذهبيّ اللّون تحسب من … وجنتيه النّار تقتدح
قال المصنف ﵀ قلت: وسمع ابن عقيل بعض الصّوفيّة يقول: إنّ مشايخ هذه الطّائفة كلّما وقفت طباعهم، حداها الحادي إلى الله بالأناشيد. فقال ابن عقيل: لا كرامة لهذا القائل؛ إنّما تحدى القلوب بوعد الله في القرآن، ووعيده، وسنّة الرّسول ﷺ؛ لأنّ الله ﷾ قال: ﴿وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً﴾ [الأنفال: ٢]، وما قال: وإذا أنشدت عليه القصائد طربت.
فأمّا تحريك الطّباع بالألحان، فقاطع عن الله، والشّعر يتضمّن صفة المخلوق والمعشوق، ممّا يتعدّد عنه فتنه، ومن سوّلت له نفسه التقاط العبر من محاسن البشر، وحسن الصّوت فمفتون.
بل ينبغي النّظر إلى المحالّ الّتي أحالنا عليها الإبل والخيل والرّياح ونحو ذلك؛ فإنّها منظورات لا تهيج طبعا، بل تورث استعظاما للفاعل، وإنّما خدعكم الشّيطان، فصرتم عبيد شهواتكم، ولم تقفوا، حتّى قلتم هذه الحقيقة، وأنتم زنادقة في زيّ عبّاد، شرهون، في زيّ زهّاد، مشبّهة تعتقدون أنّ الله ﷿ يعشق ويهام فيه، ويؤلف، ويؤنس به.
وبئس التّوهّم؛ لأنّ الله ﷿ خلق الذّوات مشاكلة؛ لأنّ أصولها مشاكلة؛ فهي تتآنس وتتآلف بأصولها العنصريّة، وتراكيبها المثليّة في الأشكال الحديثة، فمن هاهنا جاء التّلاوم والميل وعشق بعضهم بعضا، وعلى قدر التّقارب في الصّورة يتأكّد الأنس.