قال المصنّف ﵀: وهذا ابن الخبّازة كان ينشد القصائد الزّهديّات الّتي فيها ذكر الآخرة، ولذلك استمع إليه أحمد.
وقول من قال: ينزعج. فإنّ الإنسان قد يزعجه الطّرب، فيميل يمينا وشمالا.
وأمّا رواية ابن طاهر الّتي فيها: فرأيته وذيله تحت إبطه، يتبختر على السّطح كأنّه يرقص، فإنّما هو من تغيير الرّواة، وتغييرهم لما يظنّونه المعنى، تصحيحا لمذهبهم في الرّقص.
وقد ذكرنا القدح في السّلميّ، وفي ابن طاهر الرّاويين لهذه اللّفظات، وقد احتجّ لهم أبو طالب المكيّ، على جواز السّماع بمنامات، وقسّم السّماع إلى أنواع، وهو تقسيم صوفيّ لا أصل له.
وقد ذكرنا أنّ من ادّعى أنّه يسمع الغناء، ولا يؤثّر عنده تحريك النّفس إلى الهوى، فهو كاذب.
وقد أخبرنا أبو القاسم الحريريّ، عن أبي الطّيّب الطّبريّ، قال: قال بعضهم: إنّا لا نسمع الغناء بالطّبع الّذي يشترك فيه الخاصّ والعامّ. قال: وهذا تجاهل منه عظيم؛ لأمرين:
أحدهما: أنّه يلزمه على هذا أن يستبيح العود والطّنبور وسائر الملاهي؛ لأنّه يسمعه بالطّبع الّذي لا يشاركه فيه أحد من الناس، فإن لم يستبح ذلك، فقد نقض قوله، وإن استباح فقد فسق.
والثاني: أنّ هذا المدّعي لا يخلو من أن يدّعي أنّه فارق طبع البشر، وصار بمنزلة الملائكة، فإن قال هذا، فقد تخرّص على طبعه، وعلم كلّ عاقل كذبه إذا رجع إلى نفسه، ووجب ألا يكون مجاهدا لنفسه، ولا مخالفا لهواه، ولا يكون له ثواب على ترك اللّذّات والشّهوات، وهذا لا يقوله عاقل، وإن قال: أنا على طبع البشر المجبول على الهوى