ومعهم أبو عبد الله غلام، وكان يقرأ القرآن بصوت حسن، فقيل له: قل شيئا، فقال:
وهم يسمعون:
خطّت أناملها في بطن قرطاس … رسالة بعبير لا بأنفاس
أن زر فديتك قف لي غير محتشم … فإنّ حبّك لي قد شاع في النّاس
فكان قولي لمن أدّى رسالتها … قف لي لأمشي على العينين والرّاس
قال أبو علي: فبعد ما رأيت هذا، لا يمكنني أن أفتي في هذه المسألة بحظر ولا إباحة.
قال المصنّف ﵀: وهذه الحكاية إن صدق فيها محمّد بن طاهر، فإنّ شيخنا ابن ناصر الحافظ كان يقول: ليس محمّد بن طاهر بثقة، حملت هذه الأبيات على أنّه أنشدها، لا أنّه غنّى بها بقضيب ومخدّة؛ إذ لو كان كذلك لذكره، ثمّ فيها كلام مجمل.
قوله: لا يمكنني أن أقول فيها بحظر، ولا إباحة؛ لأنّه إن كان مقلّدا لهم، فينبغي أن يفتي بالإباحة، وإن كان ينظر في الدّليل، فيلزمه مع حضورهم أن يفتي بالحظر، ثمّ بتقدير صحّتها، أفلا يكون اتّباع المذهب أولى من اتّباع أرباب المذاهب.
وقد ذكرنا عن أبي حنيفة ومالك والشافعيّ وأحمد رضوان الله عليهم أجمعين، ما يكفي في هذا، وشيّدنا ذلك بالأدلّة.
وقال ابن طاهر في كتابه: باب إكرامهم للقوّال وإفرادهم الموضع له. واحتجّ بأنّ النّبيّ ﷺ رمى بردة كانت عليه إلى كعب بن زهير، لمّا أنشده: بانت سعاد (١). وإنّما ذكرت هذا ليعرف قدر فقه هذا الرّجل واستنباطه، وإلّا فالزّمان أشرف من أن يضيع بمثل هذا التّخليط.
وأنبأنا أبو زرعة، عن أبيه محمّد بن طاهر، نا أبو سعيد إسماعيل بن محمّد الحجاجي،
(١) انظر القصة في «السيرة النبوية» لابن هشام (٥/ ١٨١ - ١٩٤).