وقوله: هل تجد في دهرك حلالا، فيقال له: وما الّذي أصاب الحلال، والنّبيّ ﷺ يقول:«الحلال بيّن، والحرام بيّن»(١)، أترى يريد بالحلال وجود حبّة مذ خرجت من المعدن ما تقلّبت في شبهة، هذا يبعد، وما طولبنا به.
بل لو باع المسلم يهوديّا، كان الثّمن حلالا بلا شكّ، هذا مذهب الفقهاء، وأعجب لسكوت أبي حامد، بل لنصرته ما حكى، وكيف يقول: إنّ فقد المال أفضل من وجوده وإن صرف إلى الخيرات، ولو ادّعي الإجماع على خلاف هذا لصحّ، ولكنّ تصوّفه غير فتواه.
وعن المروزيّ قال: سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله: إنّي في كفاية، فقال: الزم السّوق، تصل به الرّحم، وتعود المرضى.
وقوله: ينبغي للمريد أن يخرج من ماله، قد بيّنا أنّه إن كان حراما، أو فيه شبهة، أو إن يقنع هو باليسير، أو بالكسب جاز له أن يخرج منه، وإلّا فلا وجه لذلك، وأمّا ثعلبة فما ضرّه المال، إنّما ضرّه البخل بالواجب.
وأمّا الأنبياء، فقد كان لإبراهيم ﵊ زرع ومال، ولشعيب ولغيره، وكان سعيد بن المسيب ﵁ يقول: لا خير فيمن لا يطلب المال يقضي به دينه، ويصون به عرضه، ويصل به رحمه، فإن مات، تركه ميراثا لمن بعده، وخلّف ابن المسيب أربع مئة دينار، وقد ذكرنا ما خلّفت الصّحابة.
وقد خلّف سفيان الثّوريّ ﵁ مئتين، وكان يقول: المال في هذا الزّمان سلاح، وما زال السّلف يمدحون المال، ويجمعونه للنّوائب، وإعانة الفقراء.
وإنّما تجافاه قوم منهم إيثارا للتّشاغل بالعبادات، وجمع الهمم، فقنعوا باليسير، لو قال
(١) أخرجه البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩) من حديث النّعمان بن بشير ﵁.