للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوصل بها رحمه، وقدّم منها لنفسه، والآخر جانبها، ولم يطلبها، ولم يبذلها، فأيّهما أفضل؟ فقال: بعيد - والله - ما بينهما، الّذي جانبها أفضل كما بين مشارق الأرض ومغاربها.

قال المصنّف: فهذا كلّه كلام الحارث المحاسبيّ، ذكره أبو حامد، وشيّده وقوّاه بحديث ثعلبة، فإنّه أعطي المال، فمنع الزّكاة (١).

قال أبو حامد: فمن راقب أحوال الأنبياء والأولياء، وأقوالهم، لم يشكّ في أنّ فقد المال أفضل من وجوده، وإن صرف إلى الخيرات، إذ أقلّ ما فيه اشتغالهم بإصلاحه عن ذكر الله ﷿، فينبغي للمريد أن يخرج من ماله حتّى لا يبقى له إلّا قدر ضرورته، فما بقي له درهم يلتفت إليه قلبه، فهو محجوب عن الله ﷿.

قال المصنّف: وهذا كلّه بخلاف الشّرع، والعقل، وسوء فهم للمراد بالمال.

أمّا شرف المال، فإنّ الله ﷿ عظّم قدره، وأمر بحفظه، إذ جعله قواما للآدميّ الشّريف، فهو شريف، فقال تعالى: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً﴾ [النساء: ٥]، ونهى ﷿ أن يسلّم المال إلى غير رشيد، فقال: ﴿وَاِبْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ﴾ [النساء: ٦].

وقد صحّ عن رسول الله أنّه نهى عن إضاعة المال (٢)، وقال لسعد: «لأن تترك ورثتك أغنياء، خير لك من أن تتركهم عالة يتكفّفون النّاس» (٣).


(١) انظر «الشهاب الثاقب في الذب عن الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب» للشيخ سليم الهلالي حفظه الله، وفي هذه الرسالة تبيان مفصل لطرق هذه القصة، وبيان ضعفها.
(٢) أخرجه البخاري (٢٤٠٨)، ومسلم (٥٩٣) من حديث المغيرة .
(٣) أخرجه البخاري (١٢٩٥)، ومسلم (١٦٢٨).

<<  <   >  >>