للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنّف: وقد حكى لي بعض الأشياخ عن ابن عقيل حكاية عجيبة أنّ رجلا لقيه، فقال: إنّي أغسل العضو، وأقول: ما غسلته، وأكبّر، وأقول: ما كبّرت، فقال له ابن عقيل: دع الصّلاة، فإنّها ما تجب عليك. فقال قوم لابن عقيل: كيف تقول هذا؟ فقال لهم: قال النّبيّ : «رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق» (١)، ومن يكبّر، ويقول ما كبّرت، فليس بعاقل، والمجنون لا تجب عليه الصّلاة.

قال المصنّف: واعلم أنّ الوسوسة في نيّة الصّلاة سببها خبل في العقل، وجهل بالشّرع، ومعلوم أنّ من دخل عليه عالم فقام له، وقال: نويت أن أنتصب قائما لدخول هذا العالم لأجل علمه، مقبلا عليه بوجهه، سفّه في عقله، فإنّ هذا قد تصور في ذهنه منذ رأى العالم.

فقيام الإنسان إلى الصّلاة ليؤدّي الفرض أمر يتصوّر في النّفس في حالة واحدة، لا يطول زمانه؛ وإنّما يطول زمان نظم هذه الألفاظ، والألفاظ لا تلزم، والوسواس جهل محض.

وإنّ الموسوس يكلّف نفسه أن يحضر في قلبه الظّهريّة والأدائيّة والفرضيّة في حالة واحدة مفصلة بألفاظه، وهو يطالعها، وذلك محال.

ولو كلّف نفسه ذلك في القيام للعالم لتعذّر عليه، فمن عرف هذا، عرف النّيّة، ثمّ إنّه يجوز تقديمها على التّكبير بزمان يسير ما لم يفسخها، فما وجه هذا التّعب في إلصاقها بالتّكبير على أنّه إذا حصّلها، ولم يفسخها، فقد التصقت بالتّكبير.

وعن مسعر قال: أخرج إليّ معن بن عبد الرّحمن كتابا، وحلف بالله أنّه خطّ أبيه، وإذا فيه قال عبد الله: والّذي لا إله إلّا غيره، ما رأيت أحدا كان أشدّ على المتنطّعين من


(١) أخرجه البخاريّ تعليقا في كتاب الطلاق، وانظر: «صحيح الجامع» (٣٥١٣، ٣٥١٢).

<<  <   >  >>