والثاني: العامّيّ أنّه يقول: لا بأس بهذا الأمير، ولا بماله، ولا بأفعاله، فإنّ فلانا الفقيه لا يبرح عنده.
والثالث: الفقيه، فإنّه يفسد دينه بذلك.
وقد لبّس إبليس عليهم في الدّخول على السّلطان، فيقول: إنّما ندخل لنشفع في مسلم، وينكشف هذا التّلبيس بأنّه لو دخل غيره يشفع لما أعجبه ذلك، وربّما قدح في ذلك الشّخص لتفرّده بالسّلطان.
ومن تلبيس إبليس عليهم في أخذ أموالهم، فيقول: لك فيها حقّ، ومعلوم أنّها إن كانت من حرام لم يحلّ له منها شيء، وإن كانت من شبهة، فتركها أولى، وإن كانت من مباح، جاز له الأخذ بمقدار مكانه من الدّين لا على وجه إنفاقه في إقامة الرّعونة، وربّما اقتدى العوام بظاهر فعله، واستباحوا ما لا يستباح.
وقد لبّس إبليس على قوم من العلماء ينقطعون عن السّلطان إقبالا على التّعبّدّ والدّين، فيزين لهم غيبة من يدخل على السّلطان من العلماء، فيجمع لهم آفتين: غيبة النّاس، ومدح النّفس.
وفي الجملة: فالدّخول على السّلاطين خطر عظيم؛ لأنّ النّيّة قد تحسن في أوّل الدّخول، ثمّ تتغيّر بإكرامهم وإنعامهم، أو بالطّمع فيهم، ولا يتماسك عن مداهنتهم، وترك الإنكار عليهم.
وقد كان سفيان الثّوريّ ﵁ يقول: ما أخاف من إهانتهم لي، إنّما أخاف من إكرامهم، فيميل قلبي إليهم.
وقد كان علماء السّلف يبعدون عن الأمراء لما يظهر من جورهم، فتطلبهم الأمراء لحاجتهم إليهم في الفتاوى والولايات، فنشأ أقوام قويت رغبتهم في الدّنيا، فتعلّموا العلوم