ومعلوم أنّ هذه الملل الّتي قد طبقت الأرض أقربها شريعة الإسلام الّتي تتظاهرون بها، وتطمعون في إفسادها قد تمكّنت تمكّنا يكون الطّمع في تمحيقها فضلا عن إزالتها حمقا، فلها مجمع كلّ سنة بعرفة، ومجمع كلّ أسبوع في الجوامع، ومجمع كلّ يوم في المساجد.
فمتى تحدّثكم نفوسكم بتكدير هذا البحر الزّاخر، وتمحيق هذا الأمر الظّاهر في الآفاق، يؤذّن كلّ يوم على ما بين ألوف منابر ب «أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله».
وغاية ما أنتم عليه حديث في خلوة، أو متقدّم في قلعة: إن نبس بكلمة، رمي رأسه، وقتل قتل الكلاب.
فمتى يحدّث العاقل منكم نفسه بظهور ما أنتم عليه على هذا الأمر الكلّي الّذي طبق البلاد، فما أعرف أحمق منكم، إلى أن يجيء إلى باب المناظرة بالبراهين العقليّة.
قال المصنف: والتهبت جمرة الباطنيّة المتأخّرين في سنة أربع وتسعين وأربع مئة، فقتل السّلطان جلال الدّولة برقيارق خلقا منهم لمّا تحقّق مذهبهم، فبلغت عدّة القتلى ثلاث مئة ونيّفا، وتتبعت أموالهم، فوجد لأحدهم سبعون بيتا من اللآلئ المحفور، وكتب بذلك كتاب إلى الخليفة، فتقدّم بالقبض على قوم يظنّ فيهم ذلك المذهب، ولم يتجاسر أحد أن يشفع في أحد؛ لئلّا يظنّ ميله إلى ذلك المذهب.
وزاد تتبّع العوامّ لكلّ من أرادوا، وصار كلّ من في نفسه شيء من إنسان يرميه بهذا المذهب، فيقصيه، وينهب ماله.
وأوّل ما عرف من أحوال الباطنيّة في أيّام الملك شاه جلال الدّولة، أنّهم اجتمعوا، فصلّوا صلاة العيد في ساوة، ففطن بهم الشحنة، فأخذهم وحبسهم، ثمّ أطلقهم، ثمّ اغتالوا