للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قلتم: ضرورة، فكيف خالفكم ذوو العقول السّليمة، ولو ساغ للإنسان أن يهذي بدعوى الضّرورة في كلّ ما يهواه، جاز لخصمه دعوى الضّرورة في نقض ما ادّعاه، وإن قلتم بالنّظر، فالنّظر عندكم باطل؛ لأنّه تصرّف بالعقل، وقضايا العقول عندكم لا يوثق بها.

وإن قلتم: عن إمام معصوم.

قلنا: فما الّذي دعاكم إلى قبول قوله بلا معجزة، وترك قول محمّد مع المعجزات، ثمّ ما يؤمّنكم أن يكون ما سمع من الإمام المعصوم له باطن غير ظاهر.

ثمّ يقال لهم: هذه البواطن والتّأويلات، يجب إخفاؤها أم إظهارها؟

فإن قالوا: يجب إظهارها قلنا: فلم كتمها محمّد ؟

وإن قالوا: يجب إخفاؤها.

قلنا: ما وجب على الرّسول إخفاؤه كيف حلّ لكم إفشاؤه؟

قال ابن عقيل: هلك الإسلام بين طائفتين: بين الباطنيّة والظّاهريّة.

فأمّا أهل البواطن، فإنّهم عطّلوا ظواهر الشّرع بما ادّعوه من تفاسيرهم الّتي لا برهان لهم عليها، حتّى لم يبق في الشّرع شيء إلّا وقد وضعوا وراءه معنى، حتّى أسقطوا إيجاب الواجب، والنّهي عن المنهيّ.

وأمّا أهل الظّاهر، فإنّهم أخذوا بكلّ ما ظهر ممّا لا بدّ من تأويله، فحملوا الأسماء والصّفات على ما عقلوه، والحقّ بين المنزلتين، وهو أن نأخذ بالظّاهر، ما لم يصرفنا عنه دليل، ونرفض كلّ باطن، لا يشهد به دليل من أدلّة الشّرع.

قال المصنف: ولو لقيت مقدّم هذه الطّائفة المعروفة بالباطنيّة، لم أكن سالكا معه طريق العلم، بل التّوبيخ والازدراء على عقله وعقول أتباعه، بأن أقول: إنّ للآمال طرقا تسلك، ووجوها توصل، ووضع الأمل في وجه اليأس حمق.

<<  <   >  >>