للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : وإنّما وقعت هذه المحنة لغلبة الحسّ، وهو أنّه ما رأى شيئا إلّا مفعولا.

وليقل لهذا العامّيّ: ألست تعلم أنّ خلق الزّمان لا في الزّمان، والمكان لا في المكان، فإذا كانت هذه الأرض، وما فيها لا في مكان، ولا تحتها شيء، وحسّك ينفر من هذا؛ لأنّه ما ألف شيئا إلّا في مكان، فلا يطلب بالحسّ من لا يعرف بالحسّ، وشاور عقلك؛ فإنّه سليم المشاورة.

وتارة يلبّس إبليس على العوام عند سماع صفات الله ﷿ فيحملونها على مقتضى الحسّ، فيعتقدون التّشبيه (١).

وتارة يلبّس عليهم من جهة العصبيّة للمذاهب، فترى العامّيّ يلاعن، ويقاتل في أمر لا يعرف حقيقته.

فمنهم من يخصّ بعصبيّته أبا بكر ومنهم من يخصّ عليّا، وكم قد جرى في هذا من الحروب، وقد جرى في هذا بين أهل الكرخ، وأهل باب البصرة، على مرّ السّنين من القتل، وإحراق المحالّ، ما يطول ذكره، وترى كثيرا ممّن يخاصم في هذا يلبس الحرير، ويشرب الخمر، ويقتل النّفس، وأبو بكر وعليّ بريئان منهم.

وقد يحسّ العامّيّ في نفسه نوع فهم، فيسوّل له إبليس مخاصمة ربّه، فمنهم من يقول لربّه: كيف قضى وعاقب؟

ومنهم من يقول: لم ضيّق رزق المتّقي، وأوسع على العاصي؟


(١) أهل السنة والجماعة (السلف وأتباعهم) يثبتون أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب العزيز والسنة الكريمة، بدون تشبيه ولا تعطيل، ولا يتبادر إلى أذهانهم عند قراءتها أو سماعها تشبيه ولا تمثيل، بل يقولون ويعتقدون ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (١١) [الشورى: ١١]. [زيد المدخلي]

<<  <   >  >>