فقال لها: هاهنا غير. فقالت: لا غير. قال: فما معنى إلزام النّفوس آفات الغموم، وتعذيبها بعذاب الهموم؟ ولأيّ معنى نترك الامتزاج لتلتقي الأنوار، وتصفو الأرواح، وتقع الإخلافات، وتنزل البركات؟
قال: فقلن النّساء: إذا شئت.
قال: فاختلط جماعة الرّجال بجماعة النّساء طول ليلتهم، فلمّا كان سحر خرجوا.
قال المحسن: قوله: هاهنا غير. أي: هاهنا غير موافق المذهب.
فقالت: لا غير. أي: غيرا مخالفا.
وقوله: نترك الامتزاج. كناية عن الممازجة في الوطء.
وقوله: لتلتقي الأنوار. عندهم أنّ في كلّ جسم نورا إلهيّا.
وقوله: الإخلافات. أي: يكون لكنّ خلف ممّن مات أو غاب من أزواجكنّ.
قال المحسن: وهذا عندي عظيم، ولولا أنّ جماعة يخبرونني يبعدون عن الكذب ما حكيته؛ لعظمه عندي، واستبعاد مثله أن يجري في دار الإسلام.
قال: وبلغني أنّ هذا ومثله شاع حتّى بلغ عضد الدّولة، فقبض على جماعة منهم، وضربهم بالسّياط، وشرّط جموعهم، فكفّوا.
ولمّا قلّ علم الصّوفيّة بالشّرع، فصدر منهم من الأفعال والأقوال ما لا يحلّ مثل ما قد ذكرنا، ثمّ تشبّه بهم من ليس منهم، وتسمّى بأسمائهم، وصدر عنهم مثل ما قد حكينا، وكان الصّالح منهم نادرا، ذمّهم خلق من العلماء وعابوهم حتّى عابوهم مشائخهم.
وبإسناد عن عبد الملك بن زياد النصيبيّ قال: كنّا عند مالك، فذكرت له صوفيّين في بلادنا، فقلت له: يلبسون فواخر ثياب اليمن، ويفعلون كذا. قال: ويحك! ومسلمون هم؟ قال: فضحك حتّى استلقى، قال: فقال لي بعض جلسائه: يا هذا، ما رأينا أعظم فتنة على