ابن المالكي يقول: قال أبو حمزة الخراسانيّ: حججت سنة من السّنين، فبينا أنا أمشي في الطّريق، وقعت في بئر، فنازعتني نفسي أن أستغيث، فقلت: لا والله، لا أستغيث.
فما أتممت هذا الخاطر حتّى مرّ برأس البئر رجلان، فقال أحدهما للآخر: تعال نسدّ رأس هذا البئر في هذا الطّريق، فأتوا بقصب وبارية، فهمهمت، فقلت: إلى من هو أقرب إليك منهما. وسكتّ حتّى طمّوا رأس البئر، فإذا بشيء قد جاء، فكشف عن رأس البئر ودلّى رجليه، وكان يقول في همهمة له: تعلّق بي. فتعلّقت به، فأخرجني، فنظرت، فإذا هو سبع، فهتف بي هاتف وهو يقول: يا أبا حمزة، أليس ذا حسنا، نجّيناك من التّلف بالتّلف.
أخبرنا أبو منصور القزاز، نا أحمد بن علي بن ثابت، نا أبو القاسم رضوان ابن محمّد ابن الحسن الدينوري، قال: سمعت أحمد بن محمّد بن عبد الله النيسابوري، يقول: سمعت أبا بكر محمّد بن أحمد بن عبد الوهاب الحافظ، يقول: سمعت أبا عبد الله محمّد بن نعيم، يحكي عن أبي حمزة الصوفي الدمشقي، أنّه لمّا خرج من البئر أنشد يقول:
نهاني حيائي منك أن أكشف الهوى … فأغنيتني بالقرب منك عن الكشف
تراءيت لي بالغيب حتّى كأنّني … تبشّرني بالغيب أنّك في الكفّ
أراك وبي من هيبتي لك وحشة … وتؤنسني بالعطف منك وباللّطف
وتحيي محبّا أنت في الحبّ حتفه … وذا عجب كون الحياة مع الحتف
قال المصنف ﵀: قلت: اختلفوا في أبي حمزة هذا الواقع في البئر، فقال أبو عبد الرحمن السّلميّ: هو أبو حمزة الخراسانيّ، وكان من أقران الجنيد، وقد ذكرنا في رواية أخرى أنّه دمشقيّ.
وقال أبو نعيم الحافظ: هو أبو حمزة البغداديّ، واسمه محمّد بن إبراهيم، وذكره الخطيب في «تاريخه» وذكر له هذه الحكاية، وأيّهم كان فهو مخطئ في فعله، مخالف