كفاية قد ادّخرها لنفسه، أو إن كانت له صناعة يستغني بها عن النّاس، أو كان المال عن شبهة، فتصدّق به.
أمّا إذا أخرج المال الحلال كلّه، ثمّ احتاج إلى ما في أيدي النّاس، وأفقر عياله، فهو إمّا أن يتعرّض لمنن الإخوان، أو لصدقاتهم، أو أن يأخذ من أرباب الظّلم والشّبهات، فهذا هو الفعل المذموم المنهيّ عنه.
ولست أتعجّب من المتزهّدين الّذين فعلوا هذا مع قلّة علمهم، وإنّما العجب من أقوام لهم عقل وعلم كيف حثّوا على هذا، وأمروا به مع مصادمته للعقل والشّرع، وقد ذكر الحارث المحاسبيّ في هذا كلاما طويلا، وشيّده أبو حامد الغزاليّ ونصره، والحارث عندي أعذر من أبي حامد؛ لأنّ أبا حامد كان أفقه غير أنّ دخوله في التّصوّف أوجب عليه نصرة ما دخل فيه.
فمن كلام الحارث المحاسبيّ في هذا أنّه قال: أيّها المفتون، متى زعمت أنّ جمع المال الحلال أعلى وأفضل من تركه، فقد أزريت بمحمّد ﷺ والمرسلين، وزعمت أنّ محمّدا ﷺ لم ينصح الأمّة، إذ نهاهم عن جمع المال، وقد علم أنّ جمعه خير لهم، وزعمت أنّ الله لم ينظر لعباده حين نهاهم عن جمع المال، وقد علم أنّ جمعه خير لهم، وما ينفعك الاحتجاج بمال الصّحابة.
ودّ بن عوف في القيامة أنّه لم يؤت من الدّنيا إلّا قوتا.
قال: ولقد بلغني أنّه لمّا توفّي عبد الرّحمن بن عوف، فقال ناس من أصحاب رسول الله ﷺ: إنّا نخاف على عبد الرّحمن فيما ترك، قال كعب: سبحان الله! وما تخافون على عبد الرّحمن، كسب طيّبا، وأنفق طيّبا، فبلغ ذلك أبا ذرّ، فخرج مغضبا يريد كعبا، فمرّ بلحي بعير، فأخذه بيده، ثمّ انطلق يطلب كعبا، فقيل لكعب: إنّ أبا ذرّ طلبك، فخرج هاربا