تشعّبت الأهواء بالنّاس، فشرّدتهم في بيداء الضّلال حتّى عبدوا الأصنام، واختلفوا في العقائد والأفعال اختلافا، خالفوا فيه الرّسل والعقول اتّباعا لأهوائهم، وميلا إلى عاداتهم، وتقليدا لكبرائهم، فصدّق عليهم إبليس ظنّه فاتّبعوه إلّا فريقا من المؤمنين.
واعلم أنّ الأنبياء جاؤوا بالبيان الكافي، وقابلوا الأمراض بالدّواء الشّافي، وتوافقوا على منهاج لم يختلف، فأقبل الشّيطان يخلط بالبيان شبها، وبالدّواء سمّا، وبالسّبيل الواضح جردا مضلّا، وما زال يلعب بالعقول إلى أن فرّق الجاهليّة في مذاهب سخيفة، وبدع قبيحة، فأصبحوا يعبدون الأصنام في البيت الحرام، ويحرّمون السّائبة، والبحيرة، والوصيلة، والحام، ويرون وأد البنات، ويمنعونهنّ الميراث، إلى غير ذلك من الضّلال الّذي سوّله لهم إبليس؛ فابتعث الله ﷾ محمّدا ﷺ، فرفع المقابح، وشرع المصالح، فسار أصحابه معه وبعده في ضوء نوره، سالمين من العدوّ وغروره.
فلمّا انسلخ نهار وجودهم، أقبلت أغباش الظّلمات، فعادت الأهواء تنشئ بدعا، وتضيّق سبيلا، ما زال متّسعا، ففرّق الأكثرون دينهم، وكانوا شيعا، ونهض إبليس يلبّس، ويزخرف، ويفرّق، ويؤلّف، وإنّما يصحّ له التّلصّص في ليل الجهل، فلو قد طلع عليه صبح العلم افتضح.
فرأيت أن أحذّر من مكايده، وأدلّ على مصايده، فإنّ في تعريف الشّرّ تحذيرا عن الوقوع فيه.
ففي «الصّحيحين» من حديث حذيفة: قال: «كان النّاس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشّرّ؛ مخافة أن يدركني»(١).
وقد أخبرنا أبو البركات سعد الله بن علي البزّاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي الطريثيثي،