للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويختم عاقبة أمري عند الرّحيل بكلمة الإخلاص، فالويل لابن الجويني.

وكان يقول لأصحابه: يا أصحابنا، لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أنّ الكلام يبلغ بي ما بلغ، ما تشاغلت به.

وقال أبو الوفاء بن عقيل لبعض أصحابه: أنا أقطع أنّ الصّحابة ماتوا، وما عرفوا الجوهر والعرض، فإن رضيت أن تكون مثلهم فكن، وإن رأيت طريقة المتكلّمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر، فبئس ما رأيت!

قال: وقد أفضى الكلام بأهله إلى الشّكوك، وكثير منهم إلى الإلحاد، تشمّ روائح الإلحاد في فلتات كلام المتكلّمين.

وأصل ذلك أنّهم ما قنعوا بما قنعت به الشّرائع، وطلبوا الحقائق وليس في قوّة العقل إدراك ما عند الله من الحكمة الّتي انفرد بها، ولا أخرج الباري من علمه لخلقه ما علمه هو من حقائق الأمور.

قال: وقد بالغت في الأول طول عمري، ثمّ عدت القهقرى إلى مذهب الكتب، وإنّما قالوا: إنّ مذهب العجائز أسلم؛ لأنّهم لما انتهوا إلى غاية التّدقيق في النّظر لم يشهدوا ما يشفي العقل من التّعليلات والتّأويلات، فوقفوا مع مراسم الشّرع، وجنحوا عن القول بالتّعليل، وأذعن العقل بأنّ فوقه حكمة إلهيّة فسلّم.

وبيان هذا أن نقول: أحبّ أن يعرف، أراد أن يذكر.

فيقول قائل: هل شغف باتّصال النّفع؟ هل دعاه داع إلى إفاضة الإحسان؟ ومعلوم أن للدّاعي عوارض على الذّات، وتطلّبات من النّفس، وما تعقل ذلك إلّا الذّات، يدخل عليها داخل من شوق إلى تحصيل ما لم يكن لها، وهي إليه محتاجة، فإذا وجد ذلك العرض سكن الشّغف، وفتر الدّاعي، وذلك الحاصل يسمّى غنى، والقديم لم

<<  <   >  >>