للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إحداهما: أنّه أراهم ضعف المادّة.

والثّانية: اختلاط الأجزاء المتفرّقة في أعماق الأرض.

قالوا: وقد يأكل الحيوان الحيوان، فكيف يتهيّأ إعادته؟

وقد حكى القرآن شبهتهم، فقال تعالى في الأولى: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ﴾ [المؤمنون: ٣٦، ٣٥].

وقال في الثّانية: ﴿وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة: ١٠].

وهذا كان مذهب أكثر الجاهليّة، قال قائلهم:

يخبرنا الرّسول بأن سنحيا … وكيف حياة أصداء وهام

وقال آخر:

حياة ثمّ موت ثمّ بعث … حديث خرافة يا أمّ عمرو

والجواب عن شبهتهم الأولى: أن ضعف المادّة في الثّاني، وهو التّراب، يدفعه كون البداية من نطفة ومضغة وعلقة.

ثمّ إنّ أصل الآدميّين، وهو آدم من تراب على أنّ الله لم يخلق شيئا مستحسنا إلّا من مادّة سخيفة؛ فإنّه أخرج هذا الآدميّ من نطفة، والطّاوس من البيضة المذرة، والطّاقة الخضراء من الحبّة العفنة.

فالنّظر ينبغي أن يكون إلى قوّة الفاعل وقدرته، لا إلى ضعف الموادّ، وبالنّظر إلى قدرته يحصل جواب الشّبهة الثّانية، ثمّ قد أرانا كالأنموذج في جميع المتمزّق، فإنّ سحالة الذّهب المتفرّقة في التّراب الكثير، إذا ألقي عليها قليل من زئبق، اجتمع الذّهب مع تبدّده، فكيف بالقدرة الإلهيّة الّتي من تأثيرها خلق شيء لا من شيء.

على أنّا لو قدرنا أن نحيل هذا التّراب غير ما استحالت إليه الأبدان لم يضر؛ لأنّ

<<  <   >  >>