الحمد لله على كرمه وفضْله والصلاة والسلام على رسول الله.
خلال هذه السنوات العشر التي قضيتُها بمكة مجاورًا للبيت العتيق مالتْ نفسي إلى النظر في تاريخ مكة المكرمة والبحث عن مصادره ورجاله ومؤلفيه، فكنتُ أقضي الوقت بين مطالعات في ما سُطّر منه وبين قراءة ما كُتب حوله من بحوث ودراسات وتحقيقات مهتمًا بما يمكن أن تضاف إليه من قراءات واستنتاجات، مغرقًا في جمع ما شتّتْه يد الأيام من كُتبه ومسطوراته ووثائقه، محاولًا إبراز ملامح ما أنتجه المكّيون من مؤلفات في التاريخ والحضارة مُحصيًا ما بقي من مؤلفاتهم مخطوطًا أو مطبوعًا، مسجلًا ما ورد ذكره منها في نصوص التاريخ والتراجم، حتى جمعتُ من كل ذلك مادة أساسية تفتح آفاقًا جديدة للبحث في التاريخ المكي.
وهكذا انطلقتُ في البحث عن آثار المؤرخين المكيين وما تركوه من كتب ورسائل، كان القليل منها مطبوعًا والكثير مخطوطًا والأغلب مذكورًا في المصادر ولكنه ضاع وعبثت به يد الأيام وطمسته عوامل السنين والنسيان.
وفي سبيل ذلك كان لا بد لي أن أتتبّع الكثير من محتويات مكتبات المخطوطات في العديد من بلاد العالم - شرقًا وغربًا - وأن أتصيَّدَ المخطوطات من مؤلفات المؤرخين المكيين، أطالع بعضها وأحصل على مصورات الكثير منها، غير شحيح بكل ما استطعته من الوقت والجهد والتنقل والبذل. فكان - والحمد لله - صيدي ثريًّا أنيقًا، وكان ما اجتمع لدي من مصّوراتها نوادر تُبْهِج النفس وتهيّئ للباحث الزاد الثمين الذي يعينه في رحلته العلمية. فرتّبتُ ما جمعته وألّفتُ ما تفرّق منه وصنّفته في كتابي الذي عنوانه "التاريخ والمؤرخون بمكة، من القرن الثالث الهجري إلى القرن الثالث عشر، جمع وعرض وتعريف". وقد أصدرته مؤسسة