وفي ليلة الجمعة سلخ الشهر ماتت كوكب الزنجية عتيقة الوالد، وكانت ربّتني والإخوان، وخرجت من منزلنا بطَرا وسلّط الله عليها الحب الفرنجي فتعطلت لذلك وصارت تتردد إلينا قليلًا، ثم وجعت زمانا طويلًا مدة سنين وتبرأ في أثناء ذلك، إلى أن قدّر الله وفاتها في سوق الليل ولم يطلع عليها أحد إلّا بعد يومين. فأمرتُ بجهازها فجهّزت في صبح يوم الجمعة وصُلّي عليها بالمسجد الحرام ودفنت بالمعلاة، رحمها الله تعالى وعفا عنها.
وفي هذه الجمعة طلع سعر الحب لعدم وصول الجلاب من البحر، فالله تعالى يمنّ بوصولها ويُرخّص الأسعار في الأقوات وبالأمطار. فإنّ المرعى قليل وتضرر الأعراب الذين في البادية من ذلك وجلبوا الأغنام لمكة وباعوها برخص خوفا من موتها، فبيع الرطل اللحم بمحلق وربع بعد أن كان بمحلقين، فالله تعالى يجعل العاقبة إلى خير آمين. فإن في هذا الوقت أوان المطر مع وجود الغيم، لكن بعض الفضلاء أنشدني لغيره في معنى ذلك وكثرة الظلم بمكة وهو:
يمر السحاب على مكة … بُمزْن كثير من المعصرات
يروم النزول فلا يستطيع … لزور الشهود وفسق القضاة
شهر ربيع الأول جعله الله مباركًا ببركة مَن وُلد فيه ﷺ واستهل ناقصا في ليلة السبت من سنة ٩٢٧ هـ (١٥٢١ م)
وفي صباحها عُمل عقد مجلس في المسجد الحرام بأمر الحاكم مبارك بن بدر حضره القاضي محب الدين بن ظهيرة الشافعي وجماعة من فضلاء الشافعية في زيادة دار الندوة، منهم الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد النشيلي وشهاب الدين أحمد بن يوسف الزبيدي والفقيه جمال الدين ابن شيخنا عبد الله باكثير الحضرمي والعفيف عبد الله البخاري إمام الحنفية وغيرهم. بسبب دعوى الشيخ