للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على إسماعهم، ويقيّد مجالسَ سماعِهم، لا يشغله عنهم ما كان مُعدًا له من حضور مجالس الحُكّام، والتسجيل عنهم بالأحْكام، وحضور الوَظائف ومُجالسة أكثر الطَّوائف، ثم بلغني أنه تَوَجه إلى الحج فمات بخُلَيْص، وقد استقبلَ مكة مُيَمِّمًا، وكُفِّن في ثياب إحرامه ليبعث يوم القيامة مُلبيًا مُحْرِمًا.

ولد في عاشر جُمادى الأولى سنة خمس وستين وست مئة. واعتنى بالرواية من صغره، فقرأ بنفسه الكُتْب الكبار، ورحلَ إلى الديار المِصْرية، والثغر، والبلاد الشَّمالية. وسمعَ ما ينيف عن ألفي شيخ، وأجازَ له ألف آخر، فاشتملَ مُعجمه على نَيِّفٍ وثلاثة آلاف شَيْخ، وكتبَ من الأبيات، والتعاليق، والأجزاء، والتاريخ، والتخاريج ما لا يُحصى كثرة، حَرَّرَ مسموعاته، وصارَ مُقْتَدَى به، مرجوعًا إليه في هذا الشأن، مع الحفظ والإتقان، والصِّدق والتَّحَري، وكَتَبَ الشروطَ فأحكمها، والسِّجلات فأتقَنَها، وله فيهما مُصَنَّفات.

وكان مُحْسنًا إلى الطَّلَبة، متلطفًا بهم، صَبُورًا على التعليم، سهل العارية لكتبه وأجزائه، فيقضي أوقاته في السماع والتَّسميع، وكتابة الطَّباق، وقضاء حوائج النّاس، والمواظبة على وظائفه من غير انقطاع إلّا لعذرٍ مانعٍ شَرْعًا. وولي المشيخات، وصحب الأكابر من أهل العلم" (١)، ورثاه بقصيدة طويلة.

وقال تلميذه صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي المتوفى سنة ٧٦٤ هـ: "شيخنا الإمام الحافظ المحدث المؤرخ … كان، رحمه الله تعالى، رأسًا في صدقه، بارعًا في خِدَمِه، أمينًا، صاحب سنة واتباع، ولزوم فرائض ومجانبة الابتداع، متواضعًا مع أصحابه ومَن عداهم، حريصًا على نفع الطلبة وتحصيل هداهم، حسن البشر دائمه، صحيح الود، حافظ السر كاتمه، ليس فيه شر، ولا له على خيانة مقر، فصيح القراءة، عدم اللحن والدمج،


(١) مسالك الأبصار ٥/ ٥٤٧ - ٥٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>