للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان هو الذي حَبّب إليَّ طلب الحديث، فإنه رأى خطي فقال: خطك يشبه خط المحدثين، فأثّر قوله فيَّ، وسمعت وتخرّجت به في أشياء.

وَلي قراءة دار الحديث سنة عشر وسبع مئة، وقرأه بالظاهرية … وتفرّد ببعض مرويات، وتخرّج به الطلبة، وما أظن الزمان يسمح بوجود مثله، فعند ذلك نحتسب مصابنا به. ولقد حزن الجماعة به، خصوصًا رفيقه أبو الحجاج سْيخنا، وبكى عليه غير مرة، وكان كلٌّ منهما يُعَظّم الآخرَ ويعرفُ فضله … ووقف كتبه وعقارًا جيدًا على الصدقة" (١).

وقال شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله العدوي العمري المتوفى سنة ٧٤٩ هـ: "الحافظُ، عُمدةُ الحفاظ، مؤرخُ الشام، ممن ولدته دمشق، والفَحْل فَحْلٌ مُعْرِق، وأوجدته الأيام فسطع ضوءها الفرِق، وتَمَخَضت منه الليالي عن واحدها وأحد أهل المَشرق ومَشى فيها على طريق واحدٍ ما تغيّرَ عن سلوكها، ولا تقهقر لا سُلوكها، يصحب الخَصْمين وهما من هما، والنَّظِيرين والضِّرغامة الأسد منهما، وكل منهما راضِ بصُحْبته، واثق به لا يعده إلا من أحبته، كان عند شَيْخَي الإسلام آخر المُجتهدين: ابن تيمية وابن الزَّمَلُكاني وما منهما إلّا من هو عليه مُرْتَبط وبه مُغْتَبط، يذيعُ إليه سره في صاحبه، ويَتَبسّط لديه في معاتبه، وهو ساكتٌ لا ينطق بحرف، ولا يُشارك حتى ولا بإيماء طَرف، وعُرِفَ بهذا واشتُهِرَ حتى صارَ عندهما موضع الثقة، ومكان المَقَة (٢)، ومَحَل الصَّداقة المُحققة، ثم كان يسعَى في صَلاحِ ذات بينهما فيعجز، ويعده كل منهما به ولا ينجز، فأغمدَ لسانَهُ، وتركَ كل امرئ منهما وشأنَهُ. وكانَ ممن ينفع الطَّلَبة، ويستلذ في راحتهم تعبه، ويحرصُ


(١) ذيل سير أعلام النبلاء ٣٦١.
(٢) المقة: المحبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>