للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقرأ فصلًا بالرَّدّ على الجَهْميّة من كتاب "أفعال العباد" للإمام البُخاريّ، بعد قراءة ميعاد البخاريّ، فغضب بعضُ الفقهاء الشافعية الحاضرون، وقالوا: نحن المقصودون بذلك، وشكوه إلى القاضي الشّافعي نجم الدين أحمد ابن صَصْرَى، وكان عدوًا للشّيخ ابن تيميّة، فسجن المزّيَّ، فبلغ الشّيخ تقي الدّين ذلك فتألَّم لحبس المِزّيّ، وذهب إلى السّجن، وأخرجه بنفسه، ولم يَحْفِلْ بالسلطة، وراح إلى القصر، فوجد القاضي ابن صَصْرى هناك، فتقاولا بسبب المِزّي، فحلف ابن صَصْرى: لا بدّ أن يعيده إلى السّجن، والّا عزَلَ نفسه، وكان الأفرم غائبًا عن دمشق ذلك اليوم، فأمر نائبه بإعادته تطييبًا لقلب القاضي، فحبسه عنده أيّامًا، ثم أطلقه (١).

وكان ابن تيميّة كثير الاعتماد على المِزّيّ وعلمه ومعرفته، فحينما خرج من سجنه بمصر سنة ٧٠٩ هـ بعد عودة السّلطان محمّد بن قلاوون وجلسَ في القاهرة ينشُرُ علمه، احتاج إلى بعض كتبه التي بالشّام، فكتب إلى أهله كتابًا يطلب جملة من كتب العلم التي له، وطلب منهم أن يستعينوا على ذلك، بجمال الدين المِزّيّ "فإنّه يدري كيف يستخرج له ما يُريده من الكتب التي أشار إليها" (٢). وحينما ولي المِزّيّ أكبر دار حديث بدمشق هي دار الحديث الأشرفيّة سنة ٧١٨ هـ فرح ابن تيميّة فرحًا عظيمًا بذلك، وقال: "لم يلِ هذه المدرسة من حين بنائها إلى الآن أحقّ شرط الواقف منه" (٣). وقد وليها عظماء العلماء المحدثين، منهم: تقيّ الدين ابن الصّلاح (٥٧٧ - ٦٤٣ هـ)، وابن الحَرَسْتانيّ (٥٧٧ - ٦٦٢ هـ)، وأبو شامة (٥٩٩ - ٦٦٥ هـ)، ومحيي الدّين


(١) البداية والنهاية ١٦/ ٤٤، والدارس ١/ ٧٣.
(٢) البداية والنهاية ١٦/ ٧٦.
(٣) الوافي بالوفيات ٢٩/ ١٠٨ (طـ. دار إحياء التراث)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٣/ ٧٥، والدرر الكامنة ٦/ ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>