للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

{وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [البروج: ٢٠]. وامتدّت الجُيُوش في طُول وادي شنّيل (١)، وتَوَاصَلَت وجاءت وتَكَاثرت، ولم يَكُن لهم بُدَّ من النُّزول على الوادي بالطُّول، لئلا تَمْنَعهم الكثرة إلى الماء الوُصول. فكانَ ذلك من جُملة العَوْن على إتْلافهم ونَقْصِهم من أطْرَافهم، ولمّا عَلِمَ المُسلمون باستقرارهم هنالك، نَظَرُوا لهم أسباب المَهَالك.

وعَزَمَ سُلْطان المُسلمين - أيّدَهُ الله - على أميرِ جَيْشه الشَّيخ الصَّالح المُجاهد أبي سَعِيد عُثمان بن أبي العُلَى، أعزَّهُ الله، أن يَخْرج إليهم بإنجاد حُمَاة المُسلمين، وعِلْية أصناف المُجاهِدين صَبِيحة يوم الاثنين الخامس عَشَر من شَهْر ربيع الآخِر سنة تسع عَشْرة وسَبْع مئة، وأخذَ النّاسُ في الأُهْبة لذلك يوم الأحد قبله.

ولما كانَ عَشِيّة يوم الأحَد غارت سَرِيّةٌ من الجَيْش على ضَيْعةٍ من ضِياع السُّلْطان القَريبة من البَلَد، فخرجَ لهم جُملةٌ من فُرسان الأنْدَلُس الرُّماة المعروفين برُماة الدَّار يَقْطعوهم عن الجَيْش، ومَنَعُوهم الوُصول إليه جُملةً، وأخذُوا أمامَهم فارّين لجهة أرضِ المُسلمين، فتبعوهم الليلَ كُلّه، وأصْبَحُوا بأرض لَوْشَة (٢)، فاستأصَلُوهم بالقَتْل والأسْر، وكانَ أول النَّصْر.

وأصبحَ يوم الاثنين المُبارك على المُسلمين وقد غابَ من جميع المُسلمين هؤلاء الفُرسان الذين يُنْتَفع برمايتِهم ومُحاولتهم (٣) في مثل هذا المكان، فلم يُبال الشَّيخ أبو سَعِيد - أدامَ الله حياته - بمَغِيبهم، وعَزَم على الخُروج لأعداءِ الله يوم عِيْدهم، فإنه كان اليوم الرابع والعِشْرين من شَهْر حَزِيران، وهو يوم العنصرة


(١) هو نهر شنيل، ويعرف بنهر الثلج، وينظر عنه نزهة المشتاق للإدريسي ٢/ ٥٦٩، ٥٧١، وفي معجم ياقوت: "نهل سنجل" (معجم البلدان ١/ ١٧٤ و ٣/ ٢٦٤ و ٥/ ٢٦).
(٢) من عمل غرناطة غربي إلبيرة (معجم البلدان ٥/ ٢٦).
(٣) هكذا في الأصل، ولعل الصواب: "وجادلتهم" بالجيم بدل الحاء المهملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>