للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

آكد أعمالِه السَّنِيّة وأشغالِه، بخلاف مَن تَقَدَّم من أخواله، كَبُرَ ذلك على الأعْداء، وأخَذُوا في نُزول الجَزِيرة الخَضْراء بالابتداء، وطَمعُوا في ذلك في أقرب أمَدٍ قَبْل تَحْصِينها بالبِنَاء والعُدَد، فأخذ أعداءُ اللهِ في إصلاحِ المَرَاكب والاستنفار حينَ أرادَ الله تَعْجِيلهم إلى النِّار، وصارُوا يَخْرجون من جَمِيع بلادِهم البَعِيدة إلى البلاد القَرِيبة لأرض المُسلمين. ودخلَ سلْطان قَشْتالة - وهي إقليم يَشْتَمل على بلادٍ كثيرة، واسمُه دُون بَطره - إلى طُلَيطُلة محلّ بابهم اللَّعين، فسجدَ له وتَضَرَّعَ بين يديه، وعَرَّفَهُ بما عَزَمَ عليه وسأل منه إعانة جميع السَّلاطين ليخلصوا بجزيرة الأندلس مُسْتَرِيحين من المُسلمين، فاستَحْسَن رأيَهُ، وأكد عَزْمهُ، وأخذَ منه على ما قالَ عُهُودًا وأَيمانًا، ووعدَه زُورًا وبُهتانًا، وزادَهُم في العزم نُفُورًا، ووعدَهم بالنَّصْر {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء: ١٢٠]. ولما بلغَ المُسلمين ذلك عَزَموا على أن يُوجِّهوا إلى سُلْطان المغرب أبي سعيد عُثمان ابن السُّلطان أبي يوسف يَعْقوب بن عبد الحق المَرِينيّ مَن يُعَوَّل عليه ويُرْجَى إسعافُه إذا وصلَ إلى بين يَدَيه، فعبرَ البَحْرَ السادةُ الصُّلَحاء الخُطباء العُلماء أبو عبد الله الطَّنْجاليُّ محدِّثُ الأندلس وعالمُها، وأبو عبد الله السَّاحِلي عابدُ الأندَلُس، وأبو جعفر بنُ الزيّات الصُّوفي، وأبو تَمَّام غالب الغَرْناطي البَيّازيُّ الصَّالحُ الزَّاهدُ، وصَحِبَهُم جماعةٌ من النّاس، ووَصَلُوا حَضْرته مدينةَ فاس، فعرَّفُوه الحالَ، وأفْصَحُوا له المَقال، وطلبوا من جَيْشه وإعانته، على أن ترجع رُنْدة والجزيرة الخَضْراء إلى مُلْكه وإيالته، فكأنّهم يُكَلِّمونَ في ذلك أهل القُبُور، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: ٤٠]، وكانَ بما طُلِبَ منه ظَنِين، ورَدَّهم على عَجَلٍ خائِبِين، فوجدَ المُسلمون من ذلك وَجْدًا عَظيمًا، فلجأوا إلى الله {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: ٤٣]، فأخذَ المُسلمون في إصْلاح الجَزِيرة الخَضْراء وحَصَّنُوها بالعُدَد والبناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>