وأمّا جُوبان فإنَّه أُذِنَ له فدخلَ على أبي سَعِيد وكَفَنُهُ بيدِه، فألقاهُ وبَكَى بكاءً طويلًا، وقال: يا مَلِكَ العالم قُتِلَت وجالي وأعْواني، ونُهِبَت أموالي، وانكَسَرت حُرْمتي، وبقيتُ وَحِيدًا، فإنْ كانَ القانُ - أعزَّهُ اللهُ تعالى - يريد قَتْلي فيقتلني السّاعة بين يديه كيفَ شاءَ، ولا يُشَمِّتْ بيَ الأعداءَ، فإنّي غُلامُ القان وأقلُّ عَبِيده وعَبِيد والدِه، فتبرّأ أبو سَعِيد من أنَّهُ قصدَ لجُوبان سُوءًا وقال له: هؤلاء أعداؤك حَسَدوك على قُرْبك مِنّي وخَرَجوا عليَّ وعليكَ فدُونك وإيّاهم، فإنِّي لم آمُرْهم فيكَ بشيءٍ. قال: فمَرْسومك أُحاربهم وآخُذُ حَقّي منهم. قال: نعم. قال: فأسأل المَلِكَ أن يُساعدني عليهم فإنهم رُؤساء الجَيْش، وأنا الآن ما بَقِيَ معي أحد إلّا القليل، فأجابَهُ أبو سعيد إلى ما سألَ، وجَهَّزَ له جَيْشًا كثيفًا يكون نحو عَشَرة آلاف فارس، وجعل مُقَدَّمه الأمير طاز ابن الأمير كَتْبُغا نَوِين الذي قُتِلَ بأرض الشّام على عين جالوت، وجاءَهُ الأميرُ قَرَاسُنْقُر المَنْصورِيُّ أيضًا في ثلاث مئة فارس مُلَبّسة بالحديد والسِّلاح التامّ على زيّ عَساكر مِصْرَ والشّام، وجاءَهُ ابنه دمرْداش من جهة ثَغْر الرُّوم بطائفةٍ كبيرةٍ من الجيوش المُجَمَّعة. وركبَ أبو سعيد أيضًا في خاصة جَيْشه، وساق معهم ليُبيّن لجُوبان أنّه معهُ لا مَعَهُم.
وأمّا قُرْمُشي وإيْرَنْجِي ودُقْماق فإنهم ساقُوا خَلْف جُوبان إلى أن وَصَلوا إلى مدينة تِبْريز، فغُلّقت أبوابها دُونَهم وخِيفَ منهم القَتْل والنَّهْب، واضطربَ البلدُ اضطرابًا شديدًا، وخرجَ إليهم نائبُها وهو الحاجّي قُطُق بمأكولٍ ومَشْروب وعُلُوفات، فمَسَكوه وعَلَّقُوه برجليه، وأخذوا منه سبعين ألف دينار رائج عنها من الدَّراهم أربع مئة ألف دِرْهم وعشرون ألف دِرْهم، وجَعَلُوا ذَنْبه أنهم قالوا له: لأي شيءٍ خَدَمتُم جُوبان وتلقّيتُمُوه بالإكرام وغَلَّقْتُم أبوابَ المدينة دُوننا، ولا فَرْق بيننا وبينه. ثم ساقوا مُتَوجِّهين، ولم يَلْبثوا خارج تِبْريز إلا دُون يوم