هذا الولد لما خَتَنْتُه أنفقتُ على الخِتان خَمْسين دينارًا، وكانَ المُشْترون يقصدونَ أن لا يشتروا أولاد المُسلمين، فكانت المرأة أو الصَّبية تجعل نفسها نَصْرانية وتقرّ بالنَّصرانية ليُرغَب فيها.
وأما مدينة إرْبِل فكانَ حالها كذلك أكلَ أهلُها جميعَ النَّبات الموجود، ثم أكلوا قُشُور الشَّجر وقلوبها، ثم أكلوا المَيْتات، وجاءَهُم الموت الذَّرِيع، وشَرَعوا يَنْزحون عنها، فتَوجَّه منهم جماعة من الحَوَاضر نحو أربع مئة بَيْت إلى جهة مدينة مَرَاغة فوقعَ عليهم ثَلْج في الطرق وبَرْد شديد فماتوا كلّهم، وخَرَجت طائفة أُخرى أكثر من الأولى، وكانت من البَلَد من السَّواد والفَلّاحين، صُحْبة أردُو التَّتار، فوصلوا إلى عَقَبة، فتركَهُم التَّتار في أسفل العَقَبة ومَنَعُوهم من الصُّعود معهم عَجْزًا عن تَقْوِيتِهم وإطعامهم، فماتُوا كلّهم.
ووَصلَ كتاب قاضي البَلَد إلى المَوْصل وفيه: إنا اعتبرنا جُملةَ مَن بقي من أهل البَلَد، فكانوا نحو خَمْس مئة بَيْت من خمسة عَشَر ألف بيت، والمُتَعيّنون ممّن بقي نحو خَمْسين بيتًا، والباقون ضُعفاء وفقراء.
وأما أهل سِنْجار فكانَ أمرُهم أخفّ، وكذلكَ أهل العراق خصوصًا أهل بغداد فلم يصل أمرُهم إلى بيع الأولاد وأكْل الميتات، ولكن قَلَّ زَرْعهم بسبب قلّة الأمطار.
ومما حُكِيَ أنَّ عَمَل دُجَيْل ثلاث مئة وستون قرية لم يُزرَع منها سوى ستّ قُرى، والباقي خرب بسبب أنَّ ماءَ دجلة لم يصل إليها. وكذلك النَّخِيل أصابه في سنة سَبْع عشرة وسبع مئة بَرْد وثَلْج أضعفَ بعضَهُ وأفسدَ بعضَهُ. وجاءت سنة ثمان عشرة بغير مَطَر فلم يحصل منه شيء.
وكانَ سبب الغَلاء أولًا بمدينة سنْجار وديار بَكْر الجَراد في سنة ست عَشْرة وسبع مئة.