الشُّلوح واللُّصوص إلى البَساتين يَقْطَعُون الفواكِه قبل أوانِها وكذلك الزُّروع والبُقُول وغير ذلك. والنّاسُ في حَيْرة، وحيلَ بينَهُم وبين خَبَر الجَيْش، وانقطعت الطَّرِيق إلى الكُسْوة في ساعةٍ واحدةٍ، فيرجع هذا وهو مَجْروح، وآخر وهو مُشَلَّح، وظهرت الوَحْشة على البَلَد والحَوَاضر، وليسَ للنّاس غير الصُّعود في مواذن الجامع يَنْظرون كذا وكذا، فتارةً يقولون: رأينا سوادًا وغَبْرة من جهة المَرْج، فيخاف النّاسُ ويَجْزمون أنَّ التَّتار قد أحاطَت بهم. ويَنْظرون إلى جهة الكُسْوة، فيقولون: ليسَ ثم شيء بالكُلّية، ويَتَعجَّبون لِما فَعَلَ اللهُ تعالى بهذا الجَيْش، وأزالَهُ في لَحْظة مع الكَثْرة وجَودةِ العُدَد والسَّلاح والثِّياب والهَيْئات، ثم يقولون: ليسَ لَهُم مَن يَجْمَعُهم على أمرٍ واحدٍ، ولهذا حَصَل فيه الفَشَل والجُبْن والتَّخاذل وكَثُر اللجاء إلى الله تعالى. وقال النّاسُ: قد بَقينا أُكْلةً في هذا البَلَد، فإنّ الأسباب قد زالت، الجَيْش بأسرِه توجَّه عَنّا وخَذَلَنا، حتى أرباب الوظائف مثل الوالي ونَحْوه، فلا يُرَى في البَلَد جُنديّ ولا فَرَس، والعُدَد الموجودة في البَلَد حُمِلت إلى القَلْعة، والأكابر والقُضاة الذين دخلوا تلك المَرّة في المداراة وحَقْن الدِّماء توجَّهوا بأسرهم، ومنهُم مَن دخل القَلْعة، وانقطعت الآمال. وألحَّ النّاسُ في الدُّعاء في القُنُوت وعَقِيب الصَّلوات.
وكان هذا اليوم وهو يوم الخَمِيس التاسع والعشرين من شَعْبان يومًا عظيمًا هائلًا جدًّا، بحيثُ لو عَلِمَ النّاسُ أنّ الأمرَ يقع هكذا لما سَكَنَ أحدٌ ولا أقامَ، ولو منعه ألف مانع، وكانَ بذلَ ما يملكه على الخَلاص من ذلك.
وفي آخر هذا اليوم بعد العَصْر وصلَ الأمير فَخْرُ الدِّين إياس المَرْقَبيّ من أمراء دمشق وذكرَ خَيْرًا وقال: إنّ العَساكر قد اجتمعَت، والقَصْد هو انضمامُ الجَيْش بعضه إلى بعض، ووصول السُّلطان، وهذا قد حَصَل وهم راجِعُون،