وقَوِيَت القُلُوب بذلك، ثم وَصلَت جماعةٌ من المِصْريين، فيهم الأمير بَدْرُ الدِّين أميرُ سِلاح، وأيبك الخِزَنْدار، ويَعْقُوبا.
ثم إنَّ الجَيْش الذي كانَ قد اجتمعَ بحَمَاةَ من عَسْكَرِها، وعَسْكر حَلَب، وعَسْكر الحُصُون تأخَّرَ إلى حِمْص، وخرجَ معهم جماعةٌ كبيرةٌ من حَمَاة، وتَرَكوا أهاليهم وأموالَهُم، وحَصَلَ لهم مشقّةٌ كبيرةٌ وشِدّة عَظِيمة، ووصلُوا إلى حِمْص فلم يَرَوا المُقام بها أيضًا، خَوْفًا من أن يَدْهَمهم العَدُوّ المَخْذُول، فتأخَّرُوا عن حِمْص، فلم يَرَوا منزلة تَلِيقُ بالجيش، فوصَلُوا إلى المَرْج يوم الأحد الخامس والعِشْرين من شَعْبان.
وذُكِرَ أنَّ التَّتار جاوزُوا حِمْص إلى قارا، ثم رَجَعُوا إلى حِمْص. وذُكِرَ أنّ طائفةً منهم وصَلَت بَعْلَبَك وجاوَزَتْها، ثم رَجَعت، وذلكَ على طريق الغارة والعَيْث والفَساد.
وأصبَحَ النّاسُ بدمشقَ يوم الأحد المَذْكور في أمرٍ كبير لقُرب العدوّ، وتأخُّر السُّلطان وجُمْهور الجَيْش، فشَرَعُوا وتَحَرَّكوا في الجَفْل، وذَكَرُوا أنّ هذا الجيش الذي قد اجتمعَ بالمَرْج ودمشق ليسَ لهم طاقة بلقاءِ هذا العَدُو، وإنّما سَبِيلهم أن يتأخّروا عنهم مَرْحلة مَرْحلة، فاختَبَط البَلَدُ. فلما تعالَى النَّهارُ اجتمعَ الأمراء بالمَيْدان، وتَحَالفوا على لِقائِهم وشَجَّعُوا أنفسَهُم. ونُودِيَ بالبَلَد أن لا يَجْفل أحدٌ ولا يُسافر أحد، فسكنَ النّاسُ، وجلسَ القُضاة بالجامع وحَلّفوا جماعةً من الفُقهاء والعامّة على حُضُور الغَزاة.
وتوجّه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين ابن تيميّة إلى جِهَة العَسْكر الواصل من حَمَاة، فأدركه بالقُطَيّفة والمَرْج، فاجتمعَ بهم وأعلَمَهُم بما اتفق عليه رأي الأُمَراء بدمشق، فوافقوا على ذلك.