وكانَ رجُلًا فاضلًا فقيهًا، أديبًا، جَيِّد الشِّعر، عارفًا بالنَّحو واللغة، أقامَ مدّةً بالمدرسة العِزّية بالكُشك مُنْقطعًا عن النّاس، له نَفْسٌ شريفةٌ يتقنَّع بالقليل. وفي أواخر عُمُره طُلِبَ إلى خطابة صَرْخَد فأجابَ، ففرحَ به أقاربُه وأهلُ البَلَد، وأقامَ عندهم إلى أن ماتَ.
وذكرَ أنّهُ سَمِعَ من الصَّرِيفينيِّ، وكتبَ عنه ابنُ الخَبّاز قطعةً من شِعره في سنة سبعين وست مئة، منها:
ظَمِئْت إلى سَلْسال حُسْنكَ مُقْلةٌ … رُوِّيت مَحَاجِرُها من العَبَراتِ
تَشْتاقُ رَوضًا من جَمالك طالما … سَرحت به وجَنَتْ من الوَجَناتِ
حَجَبوكَ عن عَيْني وما حَجَبوك عن … قَلْبي ولا مَنَعُوك من خَطَراتي
هل تَنْقَضِي أمدُ البعاد ونَلْتقي … بلِوَى المُحَصَّب أو على عَرَفاتِ
وتضمُّنًا بعدَ البعاد منازلُ … بالخيف أو بمِنَى على الجَمَراتِ
وأفيقُ من وَلَهي عليكَ … وينقضي شَوْقي إليك وتنطفي جَمَراتي
٢٢٢٥ - وتُوفِّي في هذه السَّنة الشَّيخُ العالمُ الفاضلُ جمالُ الدِّين أبو الدُّرّ ياقوت (١) بن عبد الله الرُّوميُّ المُسْتَعْصِميُّ الكاتب، ببغدادَ.
وكان رجُلًا فاضلًا مليحَ الخطِّ. كتبَ عليه خَلْقٌ من أولاد الأكابر والصُّدُور بالعراق. وكان مُحتَرمًا مُعظمًا، حَسَن الهيئة، مليحَ البِزّة مُحْتَشِمًا، وله نَظْم جيِّد، منه ما أنشدنيه ابن سامةَ، عنه:
تجدِّدُ الشَّمسُ شَوْقي كلِّما طلعتْ … إلى مُحيّاك يا سَمْعي ويا بَصَرِي