قال أبو جعفر: وقال آخرون (١) إنما جعل الله أمر الخمس إلى نبيه ﷺ ليضعه فيمن رأى وضعه فيه من قرابته، غنيا كان أو فقيرًا مع من أمر أن يعطيه من الخمس سواهم ممن تبين في آية الخمس، ولذلك أمره في آية الفيء أيضًا.
فلما اختلفوا في هذا الاختلاف الذي وصفنا وجب أن ننظر في ذلك لنستخرج من أقوالهم هذه قولًا صحيحًا.
فاعتبرنا قول من قال: إن رسول الله ﷺ أعطى من قرابته من أعطى ما أعطاه بحق واجب لهم، لم يذكر الله إياهم في آية الغنائم، وفي آية الفيء، فوجدنا هذا القول فاسدًا؛ لأنا رأيناه ﷺ أعطى قرابةً ومنع قرابةً، فلو كان ما أضافه الله ﷿ إليهم في آية الغنائم، وفي آية الفيء على طريق الفرض منه لهم إذًا لما حرم رسول الله ﷺ منهم أحدًا، ولعمهم بما جعل الله لهم حتى لا يكون في شيء من ذلك خارجًا عما أمره الله به فيهم.
ألا يرى أن رجلًا لو أوصى لذي قرابة فلانٍ بثلث ماله، وهم يخصّون ويعرفون أن القائم بوصيته ليس له وضع الثلث في بعض القرابة دون بقيتهم، حتى يعمهم جميعًا بالثلث الذي يوصي لهم به، ويسوي بينهم فيه، وإن فعل فيه ما سوى ذلك كان مخالفًا لما أمر به وحاش لله أن يكون رسول الله ﷺ في شيء من فعله لما أمره الله به مخالفًا، ولحكمه
(١) قلت: أراد بهم: سعيد بن المسيب، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، وزفر، وأحمد في رواية، وبعض المالكية ﵏، كما في الذيل على النخب ١٨/ ١٦٧.