للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قلعةِ دمشقَ، وسرَّ النّاسُ، وزُيِّنَتِ القلعةُ والمدينةُ، وأُوقِدَتِ الشُّمُوعُ. فلمّا كانت ليلةُ السَّبتِ سادسَ عَشَرَ رَجَبٍ بعدَ نِصْف اللَّيلِ وَصَلَ إلى ظاهرِ دمشقَ جماعةٌ كثيرةٌ من جيشِ المُسلمينَ، وفيهِم جماعةٌ منَ الأمراءِ مُنهَزِمِينَ. وأخْبَرُوا بما شاهَدُوهُ في أوّلِ الأمر، وأنَّ الكسرةَ كانت عليهِم، ولم يَعلَمُوا ما تَجَدَّدَ بعدَهُم، فحَصَلَ لأهل دمشقَ قَلَقٌ عظيم، وخَوْفٌ شديدٌ. وتَجَهَّزَ منهُم خَلْقٌ للهزيمة، وفُتِحَ بعضُ أبوابِ البلدِ، ولم يَبْقَ إلّا الشُّروعُ في الانتزاح. فوَصَلَ في تلكَ السّاعةِ بَريديٌّ من جهةِ السُّلطانِ بالنَّصْر، وكانَ وُصولُهُ عندَ أذانِ الصُّبْح، فقُرِئَ كتابُ السُّلطانِ إلى الأميرِ ناصرِ الدِّينِ ابنِ الحَرّانيِّ المُتضَمِّنُ البِشارةَ في تلكَ السّاعةِ بجامع دمشقَ، فطابَتْ قُلوبُ النّاس. ثم وَرَدَ بَريديٌّ آخَرُ بمثلِ ذلكَ، فتكاملَ السُّرُورُ وتَمَّ الأمنُ، وعادَ النّاسُ الى ما كانوا عليه منَ الزِّينة.

ومن مَضمونِ بعضِ الكُتبِ الواردة: " {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: ١٣]. صَدَرَت هذهِ المُكاتبةُ إلى المَجلسِ نُعْلِمُه أنّنا ضَرَبْنا مَصافًّا معَ العَدوِّ المَخْذُول على ظاهرِ حِمْصَ في يوم الخميسِ رابعَ عَشَرَ رَجبٍ سنةَ ثَمانينَ وستِّ مئة. وكان العَدوُّ في مئةِ ألفِ فارسٍ أو يَزِيدونَ، والتَحَمَ القتالُ من ضَحْوةِ النَّهارِ إلى غُرُوبِ الشَمْسِ ففَتَحَ اللهُ تعالى ونَصَرَ، وساعَدَنا بمساعَفةِ القَدَر، ونَصَرَنا -والحمدُ لله- على أناذِلِ الأعداءِ وكَسَرَهُم. وكتابُنا هذا والفتحُ قد ضُرِبَتْ بَشائِرُه، وحَلَّقَ طائِرُهُ، وامْتلأتِ القُلوبُ سُرورًا، وأوْلى اللهُ الإسلامَ من تَفَضُّلِهِ علينا وعليهِم خَيْرًا كثيرًا. فيأخُذُ المَجلسُ حَظَّهُ من هذه البُشْرى العَظيمة، ويَتَقلَّدُ عُقُودَها النَّظِيمة. واللهُ تعالى يَخُصُّهُ بنِعَمِهِ العَميمةِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى".

وأجْلَت هذهِ الوَقعةُ عن قَتْلِ جَمٍّ غَفِيرٍ منَ التَّتارِ لا يُحْصَونَ كَثْرةً. واستُشِهدَ منَ المسلمينَ دونَ المائتَيْن، منهُم: الحاجُّ أزْدَمُرُ، وسيْفُ الدِّينِ الرُّوميُّ، وشِهابُ الدِّينِ تُوتلُ الشَّهْرَزُورِيُّ، وناصِرُ الدِّينِ مُحمدُ ابنُ جَمالِ الدِّينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>