النبويات، وشعَّثَ فيهما وخَرَّب وغَرَّق ما أزعجَ القُلُوب وأقْلَق، وانفجر بالجدار الغَرْبيّ من الجامع فهدَمَهُ، وأخذَ ما مرّ عليه من البُنيان، وهذا مشاهَدٌ بالعَيان، حتى بلغَ خَنْدق القَلْعة المَنْصورة، فخرق من سُور البَلَد الغربيّ المُلاصق لها ما مقداره خَمْسة وعِشْرون ذِراعًا، وخرجَ من البَلَد، فما مرَّ على بُستانٍ إلّا وأجابته أشجاره سراعًا، وما قيلَ يا أرضُ ابْلَعِي ويا سَماءُ أقْلِعي، حتى صارت ذو المَسَاكن على الطُّرقات، وأصحاب الأمْوال يستحقُّون الصَّدَقات، وتَهدَّمت المَساجد وتَعَطَّلت الصَّلوات.
ولقد جَرَى في هذا اليوم من العَجَائب ما لا يُعدُّ، ومن الغَرائبِ ما لا يُحَدُّ، حتى أخبرَ الثقاتُ أنّه نَزَلَ من السَّماء عَمُودٌ عظيمٌ من نار في أوائل السَّيْل، ورؤي من الدُّخان، وسُمِعَ من الصَّرخات في الأكوان ما يُضْعف الحِيَل، وسَلِمَ في مظنّةِ العَطَب مَن كَتَبَه اللهُ سالمًا على ضَعْفِه، وعَطَب في مظنّة السَّلامة من قَضَى بحَتْفِه. وكانت مساحة ما أُخِذَ من البنيان في العُرْض نحوًا من مَساحة ما انخرَقَ من السُّور المُتَقدِّم يزيد في بعض الأماكن وقد يَنْقص في بعض. وطُول ما خَرَقه السَّيل المَذْكور من السُّور إلى السُّور. وأمّا ما على جَنَبات مَجْرَى الماءِ من المَسَاكن القَرِيبة إليه والبناءِ الذي يَحْكُم الماء عليه فشعَّث في ذلك ما لا يُحَدّ، وتَلفَ فيه من الأموال والأثاث والمَتاع والغِلال ما لا يُعدُّ، وهَلكَ في بعض الحَمّامات من النِّساء والأطفال سبعة نَفَر مع سَلامة خَلْقٍ كَثِير، ووُجِدَ في الأماكن المُسْتَفِلة من الغَرْقَى جَمْعٌ كبير، وتَعَطَّلت بعضُ الطَّواحين والأوقاف والحَمّامات، وتَشَعَّثَ البيمارستان، وأفْضَت المَرْضَى فيه إلى المَمَات، ومعَ هذا، فما دَفعَ اللهُ كانَ أعظَمَ وأكْبَر، وما بَقِيَ من العامرِ والأحياءِ فهو أكْثَر، وحَصَلت الشَّهادة الموجِبة للجِنان للأموات، والمَوْعظة المودية إلى رِضَى الرَّحمن للأحياء في جَمِيع الجهات.