وأمّا الشَّيخ شَرَف الدِّين فإنه حُمِلَ إلى دارِه، وأقبلَ على أصحابه وتحدَّث مَعَهُم، وأنشدَهُم على جارِي عوائده، وأتمّ صومَ يومه. ووصلَ خبر ذلك إلى دمشق يوم الأحد سابع الشَّهر.
ثم وَصلَ الخَبرُ أنَّهُ حصلت له حُمَّى واشتدَّ مرضُه واحتاجَ إلى الاحتقان والمُداواة.
فلمّا كان يوم الجُمُعة ثاني عَشَر رَمَضان وَصَلت بطاقة بوفاته، وأنّ الوفاة كانت يوم الخَمِيس في السّاعة الثامنة من النَّهار، ودُفِنَ بباب سَطْحا في اليوم المَذْكور، وصُلِّي عليه عَقِيب الجُمُعة بجامع دمشق صلاة الغائب، رحمه الله تعالى، وتأسّفَ النّاسُ عليه وعَرَفوا له هذه الكَرامة، وهي موته شهيدًا في رَمَضان ليلة الجُمُعة عَقِيب رجوعه من دمشق وإفادته النّاسَ وإسماعه الأحاديث النَّبوية.
ورَوَى لنا عن جماعة منهم: البهاء عبد الرَّحمن، وابنُ الزَّبِيديّ، وابنُ اللَّتِّيّ، والإرْبِليُّ، وجَعْفر الهَمْدانيُّ، وابنُ رَوَاحة، وابنُ الجُمَّيْزيِّ، وابنُ رَوَاج، والقاضي أبو نَصْر ابن الشِّيرازيّ، والشَّرفُ أحمدُ بنُ مُحمد بن محمود ابن الصّابونيّ، وابن المُقَيَّر، ومُكْرَم بن أبي الصَّقْر، وابنُ صَبّاح، ويوسف السّاويُّ.
وكانَ شَيْخًا جليلًا، حَسَنَ الوجه، بهيّ المَنْظر، له سَمْتٌ حَسَن، وعليه سكينةٌ ولديه فَضْل كثيرٌ، يَحْفظ كثيرًا من الأحاديث بلفظها، وَفْهم معانيها ويَعْرف كثيرًا من اللغة. وكانَ فصيحَ العِبارة، حَسَنَ الكلام، وكانَ له قبولٌ من النَاس، وهو كثيرُ التودُّد إليهم، قاضٍ للحُقوق، ويُعَظِّم النّاسَ، ويُحْسن إلى مَن وَرَدَ بَلَده.
ومولدُه ببَعْلَبَك في حادي عَشَر رَجَب سنة إحدى وعِشْرين وست مئة.